للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسياق الآيات، وأن قوله تعالى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١) فيه معنى الملكية، فلو قيل {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٢) من الملك لكان ذلك تكرارا لمعنى واحد بألفاظ مختلفة، ثم أعقب ذلك بقوله: " فبين إذا أن أولى القراءتين بالصواب، وأحق التأويلين بالكتاب، قراءة من قرأه (ملك يوم الدين)، دون قراءة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٣)، ثم هاجم الطبري القارئين بـ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٤) ورماهم بالغفلة والغباء، وبأنه أغفل وظن خطأ.

لكن ظهر لغير الطبري ترجيحه لهذه القراءة، بل اعتقاده بصوابها، وتخطئته لمن قرأ بمالك، فإن من الأئمة كأبي عبيد من عكس الأمر، ورجح: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٥) ويقول: " والمختار مالك؛ لأن المعنى يملك يوم الدين، وهو يوم الجزاء، ولا يملك ذلك اليوم أن يأتي به، ولا بسائر الأيام، غير الله سبحانه، وهذا ما لا يشاركه فيه مخلوق، في لفظ ولا معنى ".

ونكتفي بمثال آخر، من سورة البقرة، في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (٦).

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: (يخادعون. . . وما يخادعون بالألف وياء مضمومة والدال المكسورة.

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يخادعون. . . وما يخدعون) بفتح الياء بغير ألف.

وقد أوجب الطبري القراءة في قوله: (يخدعون) دون (يخادعون)، مع أنهما قراءتان متواترتان، يقول في ذلك: " فالواجب إذا أن يكون الصحيح من القراءة (وما يخدعون)، دون (وما يخادعون)، ثم أخذ يوجه ما ذهب إليه، مستدلا على ذلك بأوجه من التأويل والتفسير المقبول عنده، بما يفيده السياق من معان جديرة بالاعتبار.

يقول: " لأن لفظ المخادع غير موجب تثبيت خديعة على صحة، ولفظ خادع موجب تثبيت خديعة على صحة، ولا شك أن المنافق قد أوجب خديعة


(١) سورة الفاتحة الآية ٢
(٢) سورة الفاتحة الآية ٤
(٣) سورة الفاتحة الآية ٤
(٤) سورة الفاتحة الآية ٤
(٥) سورة الفاتحة الآية ٤
(٦) سورة البقرة الآية ٩