للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا أستجيز غيرها، الخفض في الأنصار، مع أن قراءة الرفع سبعية.

وفي قوله تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} (١). قرئت قطعا وقطعا؛ بالنصب للطاء وإسكانها، قال الطبري: " القراءة التي لا يجوز خلافها عندي، قراءة من قرأ ذلك بفتح الطاء.

إنها تعبيرات تدل دلالة قاطعة على الرفض الصريح، انظر إلى قوله: " لا أستجيز غيرها " والتي لا يجوز خلافها عندي. . .

ثانيا:

طعنه في القراءات، تبعا لمعنى من المعاني: لم يقتصر طعن ابن جرير الطبري في القراءات، نظرا لتعارضها مع قواعد اللغة حسب نظره، وإنما تعدى طعنه القراءات التي لم توافق المعنى الجدير بالقبول، حسب تأويله، والفرق بين طعنه في الأول، وطعنه في الثاني، أنه يعلل الأول تعليلا لغويا، ويعلل طعنه في الثاني تعليلا معنويا، ويرمي القائل المؤول غير تأويله. بأنه ذو غفلة، أو ذو غباء، أو أغفل وظن خطأ، أو فاسد التأويل.

ويعود طعنه، في مثل هذا النوع إلى اهتمامه بالمعاني واللطائف الدقيقة في القراءات، فإذا وجد قراءة توحي بمعنى من المعاني يذكرها ويوجهها، بصرف النظر عن كون تلك القراءة حجة أو لا، بل قد يفترض القراءة افتراضا، وهو وإن لم يقل بها، إلا أنه لولعه بإبراز المعاني يفترضها، فلا غرو إذا وجدناه يرفض بعض القراءات، ولو كانت متواترة؛ لأنها لم تشبع نهمه في تتبع المعاني القوية، حسب نظره.

ففي سورة الفاتحة أورد الطبري قراءات كثيرة، ثم ذكر الآية (ملك يوم الدين) {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٢) ثم قال: " وأولى التأويل، وأصح القراءتين في التلاوة عندي، التأويل الأول؛ وهي قراءة من قرأ (ملك) بمعنى الملك " وعلل ذلك بقوله: " لأن في الإقرار له بالانفراد بالملك، إيجابا لانفراده بالملك، وفضيلة زيادة الملك على المالك؛ إذ كان معلوما أن لا ملك إلا وهو مالك، وأكد اختياره


(١) سورة يونس الآية ٢٧
(٢) سورة الفاتحة الآية ٤