للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الترك، أو نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها، واختار القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، قال أبو عبيد: سمعت أبا نعيم القارئ يقول: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام، بقراءة أبي عمرو، فلم يغير علي إلا حرفين قال: قرأت عليه (أرنا) بسكون الراء، فقال: أرنا، فقال أبو عبيد: وأحسب الحرف الآخر (أو ننساها) فقال: {أَوْ نُنْسِهَا} (١) وحكى الأزهري ننسها، نأمر بتركها، يقال أنسيته الشيء أي أمرت بتركه، ونسيته تركته، وقال الذباح: إن القراءة، بضم النون، لا يتوجه فيها الترك، لا يقال: أنسى بمعنى ترك، وما روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (أو ننسها) نتركها لا نبدلها، فلا يصح.

ولعل ابن عباس قال: نتركها، فلم يضبط، والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى {أَوْ نُنْسِهَا} (٢) نبح لكم تركها، من نسى إذا ترك ثم تعديه، وقال أبو علي وغيره: ذلك متجه لأنه بمعنى تجعلك تتركها. وقيل: من النسيان على بابه، الذي هو عدم الذكر على معنى أو ننسكها يا محمد فلا تذكرها، نقل بالهمز فتعدى الفعل إلى مفعولين، وهم النبي والهاء، لكن اسم النبي محذوف (٣).

وفي قوله تعالى {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} (٤).

تعرض الإمام القرطبي للقراءات التي وردت، في الآية الكريمة، وذكر فيها أربع قراءات، رجح قراءة متواترة على قراءة مثلها، ورد على النحاة الذين رفضوا قراءة متواترة، وهي قراءة ابن عامر بضم الزاي، في (زين) وبرفع " قتل "، ونصب (أولادهم) وجر (شركائهم)، وسبق الحديث عن هذه القراءة، من قبل المفسرين كالزمخشري والرازي وغيرهما، ومن قبل النحاة واللغويين كيف أنهم ردوا تلك القراءة واستقبحوها، وطعنوا بمن قرأ بها، والإمام القرطبي لم يجارهم على ذلك؛ فهو وإن فاضل ورجح بين القراءات المتواترة- لم يرض الطعن في قراءة صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نجده ينقل كلام الإمام القشيري الذي يقول فيه:


(١) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٢) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٣) الجامع لأحكام القرآن جـ ٢/ ٦٨.
(٤) سورة الأنعام الآية ١٣٧