للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" وقال قوم هذا قبيح، وهذا محال؛ لأنه إذا ثبتت القراءة بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو الفصيح لا القبيح ".

ثم رد على من طعن في تلك القراءة من أهل اللغة بأن لها نظيرا عند العرب، وليست خارجة عن كلامهم: وقد ورد ذلك في كلام العرب وفي مصحف عثمان (شركائهم) بالياء، وهذا يدل على قراءة ابن عامر، وأضيف القتل في هذه القراءة إلى الشركاء، هم الذين زينوا ذلك ودعوا إليه؛ فالفعل مضاف إلى فاعله على ما يجب في الأصل، فرق بين المضاف والمضاف إليه، وقدم المفعول وتركه منصوبا على حاله؛ إذ كان متأخرا في المعنى، وأخر المضاف وتركه مخفوضا على حاله؛ إذ كان متقدما بعد القتل.

والتقدير: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل (شركائهم أولادهم)؛ أي أن قتل شركاؤهم أولادهم، ومع ذلك نرى الإمام القرطبي لا يخرج عن مذهبه في الترجيح بين القراءات المتواترة، فهو لا ينسى أن يفاضل بين القراءتين المتواترتين؛ فقراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة وأهل البصرة يقول فيها:

" قال مكي: وهذه القراءة هي الاختيار؛ لصحة الإعراب فيها، ولأن عليها الجماعة " (١).

هذا هو مسلك القرطبي في الترجيح، وهو مرفوض عند المدافعين عن القراءات، كما سنرى، ويظل موقفه أهون من الطاعنين فيها.

أدرك ذلك من أدرك، ومن لم يدرك؛ فإن عدم إدراكه ليس ناجما عن القراءة، ولكن هذا هو فهمه.

وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (٢) اللهم علمنا ما جهلنا، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، فهذا جهدنا أثبنا عليه إن أصبنا، واغفر لنا إن تجاوزنا {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (٣).


(١) انظر هذه القوال والترجيحات في تفسيره لهذه الآية.
(٢) سورة يوسف الآية ٧٦
(٣) سورة المؤمنون الآية ١١٨