للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا ثبت هذا- فنقول: قرئ (حتى يطهرن) بالتخفيف، و (يطهرن) بالتخفيف عبارة عن انقطاع الدم، وبالتثقيل عبارة عن التطهر بالماء، والجمع بين الأمرين ممكن، وجب دلالة هذه الآية على وجوب الأمرين، وإذا كان وجب أن لا تنتهي هذه الحرمة، إلا عند حصول الأمرين (١)؛ فالرازي يجمع بينهما، وهو يتجاوز حالة الجمع إلى الدفاع عنها، وهناك قراءة متواترة يظهر فيها دفاعه عنها، ورده الأقيسة اللغوية، والتحاكم إلى النقل والسماع.

ففي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (٢).

قرأ حمزة وحده (والأرحام) بجر الميم، قال القفال رحمه الله: وقد رويت هذه القراءة عن غير القراء السبعة، عن مجاهد وغيره، وأما الباقون من القراء فكلهم قرءوا بنصب الميم، أما قراءة حمزة - فقد ذهب الأكثر من النحويين إلى أنها فاسدة، قالوا لأن هذا يقتضي عطف المظهر على المضمر المجرور، ثم ذكر الوجوه التي احتجوا بها لذلك، ثم قال: واعلم أن هذه الوجوه ليست وجوها قوية، في دفع الروايات الواردة في اللغات، وذلك لأن حمزة أحد القراء السبعة، والظاهر أنه لم يأت بهذه القراءة من عند نفسه، بل رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يوجب القطع بصحة هذه اللغة، والقياس يتضاءل عند السماع، لا سيما بمثل هذه الأقيسة التي هي أوهن من بيت العنكبوت.

ولم يكتف الرازي بهذا، بل أخذ يوجه القراءة توجيها حسنا مقرونا بالحجة، يقول في ذلك: " وأيضا فلهذه القراءة وجهان؛ أحدهما: أنها على تقدير تكرير الجار، كأنه قيل: تساءلون به وبالأرحام، وثانيها: أنه ورد ذلك في الشعر، وأنشد سيبويه في ذلك:

فاليوم قد بت تهجونا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب

وأنشد أيضا:


(١) مفاتيح الغيب جـ ٦/ ٧٣.
(٢) سورة النساء الآية ١