للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنقل جميع القرآن، فلو حكمنا ببطلانها جاء مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر، وإلى القدح في كل القرآن، وأنه باطل، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضا بخبر الواحد المنقول عن بعض. (وثانيها) أن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا، فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أن في قراءة (أن هذان الساحران) لحنا وغلطا.

(وثالثها) قال: ابن الأنباري أن الصحابة هم الأئمة والقدوة، فلو وجدوا في المصحف لحنا لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم، مع تحذيرهم من الابتداع، وترغيبهم في الاتباع، فثبت أنه لا بد من تصحيح القراءة المشهورة (١).

والإمام الرازي رد عن القراءات كل شبهة، وعزاها إلى النقل والسماع، ووجهها التوجيه الذي يزيل عنها كل شبهة؛ ففي قوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٢).

يقول في هذه الآية: " روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا: إن في المصحف لحنا، وستقيمه العرب بألسنتها. واعلم أن هذا بعيد؛ لأن هذا المصحف منقول بالنقل المتواتر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه، وعند البصريين أنه نصب على المدح لبيان فضل الصلاة، قالوا إذا قلت: " مررت بزيد الكريم "، فلك أن تجر الكريم لكونه صفة لزيد، ولك أن تنصبه على تقدير أعني، وإن شئت رفعت على تقدير هو الكريم، وعلى هذا يقال: جاءني قومك المطعمين في المحن، والمغيثون في الشدائد، والتقدير: جاءني قومك، أعني المطعمين في المحن، وهم المغيثون في الشدائد، فكذا ههنا تقدير الآية: أعني المقيمين الصلاة، وهم المؤتون الزكاة، وقد طعن الكسائي قول البصريين


(١) روح المعاني جـ ٢٢/ ٧٥ مع تصرف في بعض العبارات.
(٢) سورة النساء الآية ١٦٢