للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موقفه من الترجيح بين القراءات:

ومن مواقفه التي يرفض فيها المفاضلة والترجيح بين قراءتين متواترتين في قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} (١).

تواتر عند أبي عمرو (وعدنا) بغير ألف، وقرأ الباقون (واعدنا) بالألف.

يقول عند تفسير هذه الآية: " قرأ الجمهور (واعدنا)، وقرأ أبو عمرو (وعدنا) بغير ألف هنا وفي الأعراف، ويحتمل واعدنا أن يكون بمعنى وعدنا، ويكون صادرا من واحد، ويحتمل أن يكون من اثنين على أصل المفاعلة، فيكون الله قد وعد موسى الوحي، ويكون موسى وعد الله المجيء للميقات، أو يكون الوعد من الله، وقبوله كان من موسى، وقبول الوعد يشبه الوعد، قال القفال: " ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله، بمعنى يعاهده، وقيل: وعد إذا كان من غير طلب وواعد إذا كان من طلب.

ثم يقول: " وقد رجح أبو عبيد قراءة من قرأ (وعدنا) بغير ألف، وأنكر قراءة من قرأ (واعدنا) بالألف، ووافقه على معنى ما قال أبو حاتم ومكي. وقال أبو عبيد: المواعدة لا تكون إلا من البشر، وقال أبو حاتم: أكثر ما تكون المواعدة من المخلوقين المتكافئين، كل منهما يعد صاحبه. وقد مر تخريج واعد على تلك الوجوه السابقة، ولا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى؛ لأن كلا منهما متواترة، فهما في الصحة على حد سواء (٢).

هذا هو مبدأ أبي حيان في القراءات المتواترة، وهو أنه لا ينبغي التفاضل والترجيح، فيما بينها، ما دامت كلها وحيا من عند الله تعالى، وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخلاصة القول: أن أبا حيان هو من خير المدافعين عن القراءات، ولم نجد لدفاعه مثيلا عند جمهور المدافعين، وأن علمه الغزير بعلم القراءات وبعلم اللغة قد مكنه من الدفاع، بل الهجوم على الطاعنين، مبينا عوار قولهم بالحجة والدليل، جزاه الله خيرا.


(١) سورة البقرة الآية ٥١
(٢) البحر المحيط مجلد ١ ص ١٩٥.