للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس بعضهم بعضا، ويتعذر على من أراد شراء دار لها جار أن يتم له مقصوده، وهذا بخلاف الشريك وأن المشتري لا يمكنه الانتفاع بالحصة التي اشتراها والشريك يمكنه ذلك بانضمامها إلى ملكه فليس على المشتري ضرر في انتزاعها منه وإعطائه ما اشتراها به. قالوا: وحينئذ تعين حمل أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة فيكون لفظ الجار فيها مرادا به الشريك. ووجه هذا الإطلاق المعنى والاستعمال. أما المعنى فإن كل جزء من ملك الشريك مجاور لملك صاحبه فهما جاران حقيقة، وأما الاستعمال فإنهما خليطان متجاوران ولذا سميت الزوجة جاره كما قال الأعشي:

أجارتنا بيني فإنك طالقة ... . . . . . . . .

فتسمية الشريك جارا أولى وأحرى. وقال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي. . هذا إن لم يحتمل إلا إثبات الشفعة فأما إن كان المراد بالحق فيها حق الجار على جاره فلا حجة فيها على إثبات الشفعة وأيضا فإنه إنما أثبت له على البائع حق العرض عليه إذا أراد البيع، فأين ثبوت حق الانتزاع. اهـ (١).

وقد ناقش القائلون بثبوت الشفعة للجار هذه الأدلة بما يأتي:

١ - بالنسبة لحديث جابر فإن قوله: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (٢)». . فقد ذكر أبو حاتم بأنه مدرج من قول جابر، قالوا ويؤيد ذلك أن مسلما لم يخرج هذه الزيادة، وأجيب عن ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكره في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل، فضلا عن أن هذه الزيادة قد وردت في حديث آخر كحديث أبي هريرة.

٢ - وأما القول بأن العقار إذا كان مقسوما معروف الحدود مصرفة طرقه فلا ضرر على مالكه بتداول الأيدي لمجاورة فغير صحيح. ذلك أن في الضرر الذي قصد الشارع رفعه ضرر سوء الجوار فإن الجار قد يسيء الجوار غالبا فيعلى الجدار ويتتبع العثار ويمنع الضوء ويشرف على العورة ويطلع على العثرة ويؤذي جاره بأنواع الأذى وقد أجمعت الأدلة على ثبوت الشفعة للشريك لدفع الضرر الناشيء عنه اشتراك في الغالب فإذا ثبتت الشفعة في الشركة في العقار لإفضائها إلى المجاورة فحقيقة المجاورة أولى بالثبوت فيها.

٣ - وأما الاحتجاج بما في صحيح البخاري: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (٣)» فعلى فرض انتفاء الإدراج من جابر فإن الجار المشترك مع غيره في مرفق خاص ما، مثل أن يكون طريقهما واحدا أو أن يشتركا في شرب أو مسيل أو نحو ذلك من المرافق الخاصة لا يعتبر مقاسما مقاسمة كلية بل هو شريك لجاره في بعض حقوق ملكه، وإذا كان طريقهما واحدا لم تكن الحدود كلها واقعة بل


(١) أعلام الموقعين ج٢ ص (١٢٢ - ١٢٤).
(٢) صحيح البخاري البيوع (٢٢١٣)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٧٠)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٩٦).
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢٢١٣)، سنن الترمذي الأحكام (١٣٧٠)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٩٦).