للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينهما فيبيع المسلم نصيبه هل للنصراني فيه شفعة؟ قال نعم، أرى ذلك له مثل ما لو كان شريكه مسلما. أهـ (١).

وقال النووي: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فمن كان له شريك فهو عام يتناول المسلم والكافر والذمي فتثبت للذمي الشفعة على المسلم كما تثبت للمسلم على الذمي هذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور. أهـ (٢).

وانفرد الإمام أحمد - رحمه الله - عنهم بمنع شفعة الكافر على المسلم لأن تسليط الكافر على المسلم يعتبر سبيلا إليه قال تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (٣) قال ابن قدامة - رحمه الله - على قول الخرقي " ولا شفعة لكافر على مسلم ":

وجملة ذلك أن الذمي إذا باع شريكه شقصا لمسلم فلا شفعة له عليه، روي ذلك عن الحسن والشعبي وروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز أن له الشفعة وبه قال النخعي وإياس بن معاوية وحماد بن أبي سليمان والثوري ومالك والشافعي والعنبري وأصحاب الرأي لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم «لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه وإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به (٤)» ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب.

ولما روى الدارقطني في كتاب العلل بإسناده عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال: «لا شفعة لنصراني» وهذا يخص عموم ما احتجوا به ولأنه معنى يتملك به يترتب على وجود ملك مخصوص فلم يجب للذمي على المسلم كالزكاة ولأنه معنى يختص العقار فأشبه الاستعلاء في البنيان بحقيقة أن الشفعة إنما تثبت للمسلم دفعا للضرر عن ملكه فقدم دفع ضرره على دفع ضرر المشتري، ولا يلزم من تقديم دفع ضرر المسلم على المسلم تقديم دفع ضرر الذمي فإن حق المسلم أرجح ورعايته أولى ولأن ثبوت الشفعة في محل الإجماع على خلاف الأصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معنى المسلم فيبقى فيه على مقتضى الأصل. أهـ (٥).

وقال نصر ابن القيم - رحمه الله - القول بنفي شفعة الكافر على المسلم وناقش القائلين بثبوتها ورد عليهم قولهم فقال ما نصه: ولهذا لم يثبت عن واحد من السلف لهم حق شفعة على مسلم وأخذ بذلك الإمام أحمد وهي من مفرداته التي برز بها على الثلاثة، لأن الشقص يملكه المسلم إذا أوجبنا فيه شفعة لذمي كنا قد أوجبنا على مسلم أن ينقل الملك في عقاره إلى كافر بطريق القهر للمسلم وهذا خلاف الأصول، والشفعة في الأصل إنما هي من حقوق أحد الشريكين على الآخر بمنزلة الحقوق والتي تجب للمسلم على المسلم كإجابة الدعوة وعيادة المريض وكمنعه أن يبيع على بيع أخيه أو يخطب على خطبته. قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الذمي اليهودي والنصراني ألهم شفعة؟ قال: لا، وكذلك نقل أبو طالب وصالح وأبو الحارث والأثرم كلهم عنه: ليس للذمي


(١) المدونة جـ ٥ ص ٣٩٩.
(٢) شرح صحيح مسلم جـ ١١ ص ٤٦.
(٣) سورة النساء الآية ١٤١
(٤) صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٨)، سنن النسائي البيوع (٤٧٠١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢٨).
(٥) المغني جـ ٥ ص ٣٢٠ - ٣٢١.