للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شفعة. زاد أبو الحارث: مع المسلم. قال الأثرم قيل له: لم؟ قال لأنه ليس له مثل حق المسلم.

واحتج فيه قال الأثرم: حدثنا الطباع حدثنا هشيم أخبرنا الشيباني عن الشعبي أنه كان يقول ليس لذمي شفعة. وقال سفيان عن حميد عن أبيه إنما الشفعة لمسلم. ولا شفعة لذمي. وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن ليث عن مجاهد أنه قال: ليس ليهودي ولا لنصراني شفعة. قال الخلال أخبرني محمد بن الحسن بن هارون قال: سئل أبو عبد الله وأنا أسمع عن الشفعة للذمي قال: ليس لذمي شفعة. ليس له حق المسلم. أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله قال ليس ليهودي ولا لنصراني شفعة قيل: ولم؟ قال: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب (١)» وهذا مذهب شريح والحسن والشعبي واحتج الإمام أحمد بثلاث حجج.

إحداهما: أن الشفعة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، فلا حق للذمي فيها. ونكتة هذا الاستدلال أن الشفعة من حق المالك لا من حق الملك.

الحجة الثانية: قول النبي - صلى الله عليه وسلم «لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه (٢)» وتقرير الاستدلال من هذا أنه لم يجعل لهم حقا في الطريق المشترك عند تزاحمهم مع المسلمين فكيف يجعل لهم حقا إلى انتزاع ملك المسلم منه قهرا بل هذا تنبيه على المنع من انتزاع الأرض من يد المسلم وإخراجه منها لحق الكافر لنفي ضرر الشركة عنه، وضرر الشركة على الكافر أهون عند الله من تسليطه على إزالة ملك المسلم عنه قهرا.

الدليل الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب (٣)» ووجه الاستدلال من هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بإخراجهم من أرضهم ونقلها إلى المسلمين لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله فكيف نسلطهم على انتزاع أراضي المسلمين منهم قهرا وإخراجهم منها!؟ وأيضا فالشفعة حق يختص العقار فلا يساوي الذمي فيه المسلم كالاستعلاء في البنيان. يوضحه أن الاستعلاء تصرف في هواء ملكه المختص به فإذا منع منه فكيف يسلط على انتزاع ملك المسلم منه قهرا وهو ممنوع من التصرف في هوائه تصرفا يستعلي فيه على المسلم. فأين هذا الاستعلاء من استعلائه عليه لإخراجه من ملكه قهرا. وأيضا فالشفعة وجبت لإزالة الضرر عن الشفيع وإن كان فيها ضرر بالمشتري فإذا كان المشتري مسلما فسلط الذمي على انتزاع ملكه منه قهرا كان فيه تقديم حق الذمي على حق المسلم وهذا ممتنع وأيضا فإنه يتضمن مع إضراره بالمسلم إضراره بالدين وتملك دار المسلمين منهم قهرا وشغلها بما يسخط الله بدل ما يرضيه وهذا خلاف قواعد الشرع. ولذلك حرم عليهم نكاح المسلمات إذ كان فيه نوع استعلاء عليهن ولذلك لم يجز القصاص بينهم وبين المسلمين، ولا حد القذف ولا يمكنون من تملك الرقيق المسلم قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (٤) ومن أعظم السبيل تسليط الكافر على انتزاع أملاك المسلمين منهم وإخراجهم منها قهرا وقد قال تعالى


(١) موطأ مالك الجامع (١٦٥١).
(٢) صحيح مسلم السلام (٢١٦٧)، سنن الترمذي السير (١٦٠٢)، سنن أبو داود الأدب (٥٢٠٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٤٤).
(٣) موطأ مالك الجامع (١٦٥١).
(٤) سورة النساء الآية ١٤١