للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلق ذميم يستحق صاحبه العقوبة، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (١). فلو لم يكن الوفاء بالوعد واجبا لما كان إخلاف الوعد صفة من صفات النفاق. ومن الاستدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إذا وعد أحدكم فلا يخلف،» وقوله صلى الله عليه وسلم: «العدة دين،» واعتباره صلى الله عليه وسلم عدم الوفاء للصبي بما يوعد كذبا، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن وعدك أخاك عدة تخلفه فيها وأن ذلك يورث العداوة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأي المؤمن واجب،» والوأي هو الوعد.

فتعبيره صلى الله عليه وسلم بالوجوب ونهيه عن إخلاف الوعد ووصفه إخلاف الوعد كذبا، كل ذلك يدل على وجوب الوفاء بالوعد وأن عدم الوفاء به محرم يعاقب عليه الواعد، والاستدلال على وجوب الوفاء بالوعد بالقياس يتضح من إجماع أمة الإسلام على انعقاد الالتزام بما يلزم ابتداء على من التزم لله تعالى طاعة غير واجبة فمن نذر لله صلاة أو صياما أو صدقة لزمه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك.

ولأمره صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يفي بنذره في الجاهلية باعتكافه ليلة في المسجد الحرام.

فالنذر في الحقيقة التزام من العبد لربه بما نذر له مما لم يلزم ابتداء والوعد من المرء لغيره من الناس التزام بما لا يلزم ابتداء فكلاهما يجتمعان في الالتزام بما لا يلزم ابتداء ويفترقان بأن النذر لله والوعد لأحد من خلقه، وهذا الفرق في نظري لا يؤثر في الوجوب وعدمه بل قد يكون اتجاه القول بوجوب الوفاء للمخلوق أولى من القول بوجوب الوفاء للخالق لأن حقوق الله تعالى على عباده مبنية على التسامح والسعة وحقوق العباد فيما بينهم مبنية على الشح والتضييق، ومن نظر في مسائل هذه القاعدة أدرك حقيقتها، فإذا كان النذر لله - وهو وعد في الحقيقة - واجب الأداء بشرطه فإن الوعد للمخلوق أولى في الوجوب بشرطه.

وما ذكره ابن حجر رحمه الله في رده على المهلب حينما قال باتفاق العلماء


(١) سورة النساء الآية ١٤٥