للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويمكن أن يجاب عن الاستدلال بهذه الآية بأن المراد بالركوع في هذه الآية السجود، لأنه قد يعبر عن السجود بالركوع، قال الشاعر:

فخر على وجهه راكعا ... وتاب إلى الله من كل ذنب (١)

قال ابن العربي المالكي عند تفسيره لهذه الآية: " لا خلاف بين العلماء أن الركوع هاهنا السجود، لأنه أخوه، إذ كل ركوع سجود، وكل سجود ركوع، فإن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء، وأحدهما يدل على الآخر، ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة، ثم جاء على تسمية أحدهما بالآخر، فسمي السجود ركوعا " (٢).

ثم لو سلم أن ما فعله داود عليه الصلاة والسلام هو الصلاة، فليس في ذاك دلالة على المنع من سجود الشكر أو كراهته، إذ هو مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على تحريم ما عداه على الصحيح، وإنما يدل على الندب، وهذا في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، فغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من باب أولى، ثم لو سلم أن الفعل يدل على تحريم ما عداه، فإن هذا العمل من شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه (٣)، وقد ورد في شرعنا ما يخالفه (٤)، فلا يكون حجة.

واستدل أصحاب القول الثاني، وهم القائلون بكراهية سجود الشكر بأدلة أهمها:

الدليل الأول: ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله


(١) المرجع السابق ١٥/ ١٨٢.
(٢) أحكام القرآن ٤/ ١٦٣٩، وينظر مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٣/ ١٤٥.
(٣) المستصفى ١/ ٢٤٨ - ٢٥١، روضة الناظر ص ١٤٢ - ١٤٥.
(٤) سيأتي ذكر الأدلة على مشروعية سجود الشكر عند الكلام على أدلة القول الأول.