للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أيد أصحاب القول الأول ما ذهبوا إليه من عدم وجوب الطهارة أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر بأدلة وتعليلات أهمها:

الدليل الأول: أن اشتراط الطهارة أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر يحتاج إلى دليل، وهو غير موجود، إذ لم يأت بإيجاب هذه الأمور لهذا السجود كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، ولا يجوز أن نوجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحكاما لا دليل عليها.

الدليل الثاني: أن ظاهر حديث أبي بكرة وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود الشكر تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود، حيث إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد للشكر بمجرد وجود سببه سواء كان محدثا أم متطهرا، وهذا أيضا هو ظاهر فعل أصحابه رضي الله عنهم (١).

الدليل الثالث: أنه لو كانت الطهارة أو غيرها من شروط الصلاة واجبة في سجود الشكر لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، لحاجتهم إلى ذلك، ومن الممتنع أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السجود ويسنه لأمته وتكون الطهارة أو غيرها شرطا فيه، ولا يسنها ولا يأمر بها صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولا يروى عنه في ذلك حرف واحد (٢).

الدليل الرابع: قياس سجود الشكر على سجود التلاوة، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تطهر لسجود التلاوة، ولم ينقل أنه أمر بذلك، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون، ولم ينقل أنه أمر أحدا من المسلمين الذين سجدوا معه بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعا متوضئين، ولم ينقل أنه أنكر على أحد من المشركين سجوده معه، مع أن


(١) المعيار المعرب ١/ ١٤٥، تهذيب سنن أبي داود ١/ ٥٥.
(٢) تهذيب السنن ١/ ٥٥.