للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التكوين الإنساني بأدق ما فيه، وإكماله بحيث لا تضيع منه بنان، ولا تختل عن مكانها بل تسوى تسوية، لا ينقص منها عضو، ولا شكل هذا العضو مهما صغر ودق " (١).

وقد تشكك بعض الملحدين، واستبعد آخرون أن تحصى على الإنسان أقواله وأعماله، وأن يحاسب من ثم على كل ما قدمت يداه من قول أو عمل، ولكن جاء القرآن داحضا هذا الشك ومبينا أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يحيك في صدر الإنسان وتوسوس به نفسه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (٢). وأن كل ما يلفظ به الإنسان من كلام أيا كان نوعه، يحفظ في سجل كامل {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (٣). وقد أثبت العلم الحديث إمكانية استرجاع ما يصدر عن الإنسان من الأصوات، ذلك أن كلام الإنسان يتحول إلى موجات هوائية، وأن هذه الموجات تبقى كما هي في الأثير إلى الأبد بعد حدوثها للمرة الأولى. ومن الممكن سماعه مرة أخرى، ولكن علم البشر الآن قاصر عن إعادة هذه الأصوات أو حفظ تلك الموجات مرة أخرى، ولكن من ناحية علمية نظرية من الممكن التقاط هذه الأصوات مرة أخرى، وسماع الأصوات القديمة إذا ما نجح الإنسان في اختراع آلة تقوم بذلك. وهذا يؤكد إمكانية ما أخبر عنه الوحي من أن كل ما ينطق به الإنسان مسجل وسيحاسب عليه يوم القيامة" (٤).

ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الأعمال. فإن العلم الحديث يؤكد بأن جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان فردا أم جماعة في الضوء أم في الظلام - موجودة في الفضاء في حالة صور، ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور، حتى يعرف كل ما جاء به الإنسان من أعمال طيلة حياته سواء كانت


(١) في ظلال القرآن: جـ٦، ٣٧٦٨/ ٦٩
(٢) سورة ق الآية ١٦
(٣) سورة ق الآية ١٨
(٤) الإسلام يتحدى، ص ١٢٢ - ١٢٤