للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيصير همه في هذا المجال، الصراع من أجله. ومن ثم لن يعرف معنى للقيم الإنسانية، كمعاني الإخاء والمساواة والفضائل الإنسانية؛ من تعاون على الخير إذا ما تصادمت مع متعه الدنيوية، بينما الذي يؤمن بأن الدنيا هي عبارة عن دار ابتلاء وامتحان، وأن متاعها زائل موقوت وأن كل متاع يفوته فيها امتثالا لأمر الله وطاعته، سيعوض عنه في الآخرة متاعا أعلى وأحق وأبقى، وأن كل مجانبة لأمر الله من أجل متاع الدنيا يجازى عليه في الآخرة عذابا ليس في طاقة البشر احتماله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (١). إن من يدرك هذا ستهون عنده قيمة الحياة الدنيا قياسا إلى الآخرة، وسيبذل جهده في سبيل إبراز أعلى القيم الإنسانية من خلال عمله.

وللإيمان بالحياة الآخرة أثر أيضا في سلوك الإنسان وتصرفاته- فمن يؤمن بأن هناك حياة أخرى، تجده يعيش مطمئنا راضيا يتمتع بالسكينة والقناعة وأمثالها من المشاعر التي هي أساس الحياة الإنسانية، لأن مثل هذا الشخص مطمئن غاية الاطمئنان إلى عدالة الله المطلقة ورحمته وكرمه ومتيقن تماما بأن الدنيا وما فيها موقوت وأنها الطريق إلى وجود حقيقي وخالد. ومن ثم فيتحمل مثل هذا الشخص الابتلاء، ويتحلى بالصبر على المصائب عن رضى، فيصبر على الضراء، كما يعتبر النعم نوعا من الابتلاء يستحق موقف الشكر، ويستخدم ما يناله من نعم فيما يعود عليه وعلى غيره بالخير والنفع، ومن ثم يكون سعيدا في حال السراء والضراء، كما عبر حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان له خيرا، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن (٢)» أما الشخص الذي لا يؤمن بحياة أخرى فإنه يسابق السنوات القليلة المحدودة التي يعيشها في الدنيا، ويسيطر عليه شعور الضيق والقلق والاضطراب كلما تقدم به العمر وقصرت به طموحاته وآماله، وغالبا ما يكون


(١) سورة النساء الآية ٥٦
(٢) مسلم، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير. جـ ٨، ص: ٢٢٧.