للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمثال هؤلاء عرضة للأمراض النفسية والعصبية، والإصابة بأنواع الاكتئاب النفسي والقلق والانتحار، لأنه حصر الوجود كله في هذه الحياة الدنيا فإن فشل فيه أو عجز عن القيام بما يسعى له فقد قيمة الحياة والوجود بأسره. . بينما المؤمن تتسع الحياة عنده لتشمل الآخرة، ويكون له منها غاية وهدف يسعى لتحقيقه ويسعد بذلك كما عبر ربعي بن عامر التميمي: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها- ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) (١).

أما الأثر الأخلاقي للإيمان باليوم الآخر، فيتمثل في الشعور الدائم برقابة الله تعالى، فالذي يؤمن بالله يعلم ما توسوس به نفس الإنسان، وإنه محص عليه كل أعماله صغيرة كانت أم كبيرة ومحاسبه على ما يقدم، لن يجرؤ على الإقدام على غير ما يرضي الله من أقوال أو أفعال، وسيكون في حذر دائم ويقظة لا تغفل عن المحاسبة. وقد اتخذ القرآن من التذكير بهذه الحقائق وسيلة إلى الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة والقيم الإنسانية والتمسك بها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (٢) {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (٣)، مؤكدا أن هذه الحياة الدنيا متاع زائف، ولحظات عابرة، ومن ثم لا ينبغي الأخذ منها إلا بالقدر المأذون فيه، وما فات منها لا ينبغي الحسرة عليه، وما أصاب الإنسان لا ينبغي السرور به - فضلا عن عدم التكالب عليها وإضاعة العمر في سبيل الصراع حولها. وبدلا من هذا ينبغي السعي إلى النعيم المقيم، واللذة التي لا تنفد، والمتاع الذي لا يزول، ولا يحول في دار غير هذه الدار وحياة غير هذه الحياة" {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (٤) {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (٥) {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (٦).


(١) حياة الصحابة، " الكاندهلوي " جـ ١. ص: ٢٢٠.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٣
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٢
(٤) سورة العنكبوت الآية ٦٤
(٥) سورة الحديد الآية ٢٠
(٦) سورة الحديد الآية ٢١