للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعث عتاب بن أسيد إلى مكة قال: «انههم عن بيع ما لم يقبضوه وعن ربح ما لم يضمنوه» ولأنه لم يتم الملك عليه فلم يجز بيعه كغير المتعين أو كالمكيل والموزون.

ولنا ما روى ابن عمر قال: «كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ونبيعها بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: " لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء (١)». وهذا التصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين، وروى ابن عمر «أنه كان على بكر صعب - يعني لعمر - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: " بعنيه " فقال: هو لك يا رسول الله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت (٢)» وهذا ظاهره التصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه، واشترى من جابر جمله ونقده ثمنه ثم وهبه إياه قبل قبضه، ولأنه أحد نوعي المعقود عليه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالمنافع في الإجارة فإنه يجوز له إجارة العين المستأجرة قبل قبض المنافع، ولأنه مبيع لا يتعلق به حق توفية فصح بيعه كالمال في يد مودعه أو مضاربه، فأما أحاديثهم فقد قيل لم يصح منها إلا حديث الطعام وهو حجة لنا بمفهومه فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه يدل على إباحة ذلك فيما سواه، وقولهم لم يتم الملك عليه ممنوع فإن السبب المقتضي للملك متحقق وأكثر ما فيه تخلف القبض، واليد ليست شرطا في صحة البيع بدليل جواز بيع المال المودع والموروث والتصرف في الصداق وعوض الخلع عند أبي حنيفة.

(فصل) وما لا يجوز بيعه قبل قبضه لا يجوز بيعه لبائعه لعموم الخبر فيه، قال القاضي: لو ابتاع شيئا مما يحتاج إلى قبض فلقيه ببلد آخر لم يكن له مطالبته ولا أخذ بدله وإن تراضيا لأنه مبيع لم يقبض، فإن كان مما لا يحتاج إلا قبض جاز أخذ البدل عنه وإن كان في سلم لم يجز أخذ


(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٤٢)، سنن النسائي البيوع (٤٥٨٢)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٤)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٦٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٨٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨١).
(٢) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٦١١).