للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا البطل - أن ينجو هو ومن معه بسلامة، وبالرغم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر الناس بما فعل القادة الثلاثة وبما حصل للجيش إلا أن الناس جعلوا يحثون على الجيش التراب عند رجوعهم قائلين لهم: يا فرار فررتم في سبيل الله، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى (١)». وما فعل الناس هذا الفعل، وما استقبلوا الجيش هذا الاستقبال إلا لأنه تأصل عندهم أن المسلم ينبغي عليه أن يجاهد ولا ينهزم، فإما أن ينتصر وإما أن ينال الشهادة، ولذا فقد اعتبروا رجوعهم بلا نصر أو شهادة فرارا.

وهؤلاء أهل الحديبية يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الصلح بأن ينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم، وكرر ذلك عليهم ثلاثا فلم يقم منهم أحد، وإنما لم يفعلوا ذلك ليس عصيانا لأمره - صلى الله عليه وسلم - فهم لم يتنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ابتدروا نخامته يدلكون بها وجوههم وجلودهم، وما توضأ إلا تزاحموا على وضوئه، وما أمرهم إلا ابتدروا أمره، ولكن الموقف أخذهم هذه المرة وهم ما زالوا يتشوفون إلى بلوغ غايتهم ودخول مكة وإتمام نسكهم، خاصة وأنهم يعتقدون أنهم أهل للغلبة والعزة والنصر، وأنهم على حق وعدوهم على باطل، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حصل لهم قام دون أن يكلمهم فنحر هديه وحلق رأسه، فما كان منهم إلا أن بادروا إلى فعل ما أمرهم به إذ لم يبق بعد غاية تنتظر (٢).


(١) سيرة ابن هشام (المجلد الثاني ص ٣٨٢).
(٢) انظر القصة في البخاري " الشروط " (٥/ ٣٢٩ - ٣٣٣).