للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، نعم إنهم جاءوا مسرعين مبادرين غير معتذرين ولا متعللين بالفقر والحاجة، فنظر الله إلى قصدهم وسلامة نيتهم فعذرهم ورفع الحرج عنهم رضي الله عنهم.

وهكذا بفضل التوجيهات الربانية ثم التربية النبوية يتأصل في أذهان الصحابة وفي عقولهم أنهم لا بد وأن يكونوا - دائما - سباقين إلى الخيرات مهما كانت الصعاب أو المعوقات، ولهذا فإنهم كانوا يتألمون بل قد يقفون حائرين - أحيانا - في بعض المواقف التي لم يكتب لهم فيها السبق أو الديمومة عليه، أو تحقيق النصر مما يستدعي معالجة حالاتهم، ومسح آلامهم وتخفيف مصابهم وتطييب مشاعرهم.

فهذا الصحابي الجليل: حنظلة الأسيدي يرمي نفسه بالنفاق عند أبي بكر - رضي الله عنه - ثم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: «نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذاك؟ قال حنظلة: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا نراها رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة (١)» ثلاث مرات.

ويستلم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - الراية بعد استشهاد القادة الثلاثة في سرية مؤتة، وبخدعة ذكية ومن غير تول من المعركة يستطيع


(١) صحيح مسلم " التوبة " (٤/ ٢١٠٦) والمعافسة في الحديث هي: معاشرة ومداعبة في حق الأزواج والأولاد، وأما في حق الضيعات: تكون شغلا من زراعة وفلاحة وإصلاح ونحوه.