للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسية كانت، أو اجتماعية، أو مادية، متشوفين إلى نظرة كريمة ربانية، متطلعين إلى جنة علية أبدية.

فهذا حنظلة الغسيل - رضي الله عنه - قد ألم بأهله فلما سمع الهيعة في غزوة أحد بادر إلى الخروج جنبا وقد أخبرت زوجته أنها غسلت إحدى شقي رأسه فلما سمع الهيعة خرج فقتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد رأيت الملائكة تغسله (١)».

وهذا عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - أحد السابقين الأولين من الأنصار وأحد الأمراء الثلاثة في مؤتة يخاطب نفسه - وقد غازلته عندما أخذ الراية وترددت بعض التردد فتغلب عليها - قائلا (٢):

أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة ... ما لي أراك تكرهين الجنة

قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنة

يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت

وهكذا يهجم ويقاتل حتى يلتحق بزيد وجعفر شهيدا رضي الله عنهم جميعا.

وهؤلاء البكاؤون الذين بادروا إلى تلبية النداء للنفير رغبة في صحبة البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - في الحصول على شرف الجهاد والاستشهاد في سبيل الله تعالى، ولما لم يجدوا مركبا أو وسيلة تحملهم تولوا وأعينهم تفيض من الدمع


(١) الاستيعاب (١/ ٢٨٠ - ٢٨٢)، أسد الغابة (١/ ٥٤٣).
(٢) سيرة ابن هشام مجلد ٢ ص ٣٧٩.