للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحزن أن لو كان الأمر أمرا سهلا أو أمر أعذار ومراوغة، ولكنها التربية الجهادية التي أشربها الصحابة أجمعون، ومنهم هذا البطل.

وهكذا فإن حب الشهادة وحب لقاء الله قد سرى في عروقهم، وأشربتها قلوبهم، فكان الواحد منهم يطير إلى الشهادة حامدا الله شاكرا لأنعمه مودعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - داعيا له إذ كان سببا في بلوغه هذه النعمة، فالجراح وآلامها ومفارقة الدنيا والأحباب كل ذلك لا ينسيهم توديعهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

فهذا سعد بن الربيع يقول لمن أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - لينظر هل في الأحياء هو أم في الأموات؟ وذلك في غزوة أحد، قال سعد: (أنا في الأموات فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ومنكم عين تطرف، قال الرجل ثم لم أبرح حتى مات) (١).

وهذه امرأة من بني دينار ينعى لها يوم أحد زوجها، وأخوها، وأبوها وتقول: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: خيرا يا أم فلان وتقول: أرونيه حتى أنظر إليه؟ فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (٢)، تريد صغيرة.

وهذا أبو عامر الأشعري - رضي الله عنه - أمير جيش أوطاس أصيب في تلك السرية، وأمر أبا موسى الأشعري بعده وقال له: أقرئ النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) سيرة ابن هشام (المجلد الثاني ص ٩٤ - ٩٥)، الإصابة (٢/ ٢٦)، الموطأ (٢/ ٤٦٦).
(٢) سيرة ابن هشام (المجلد الثاني ص ٩٩).