للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا وإن كان فيه تفضيل نسبي، إلا أنه له دلالته بشكل عام.

وهكذا فإنه لا يخفى ما لاقى الصحابة السابقون من الابتلاءات والمحن والمصاعب والفتن، كل هذا وهم صابرون على قلة عددهم وضيق ذات يدهم، فبقيت قافلة الإيمان سائرة، وكذا قافلة الشهداء إلى أن قوي الإسلام واكتمل نوره، واندحر الشرك وعفا أثره، ولهذا استحق هؤلاء السابقون إلى الخيرات السبق إلى رضوان الله وأعلى الدرجات، إذ الجزاء من جنس العمل فهنيئا لهم رضي الله عنهم.

ثانيا - السبق والمبادرة دليل على وجود الخشية من الله عز وجل لدى الإنسان:

فالصحابة - رضي الله عنهم - وإن كانوا أفضل الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الصفة الغالبة عليهم هي الخشية والخوف من الله عز وجل، والسبق غالبا ما يدل دلالة واضحة على هذه الخشية، بل هو أثر من آثارها، فكلما وجد السبق أو تكرر كان ذلك مؤشرا على وجود الخشية وحجمها لدى المبادر، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (١) {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (٢).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة (٣)». فالخشية والسبق متلازمان، ويتأثر كل واحد منهما بالآخر ويتجدد به، وهكذا كان الصحابة - رضي الله عنهم -


(١) سورة المؤمنون الآية ٦٠
(٢) سورة المؤمنون الآية ٦١
(٣) جامع الترمذي " صفة القيامة " (٧/ ١٤٦) وقال الترمذي: حسن غريب.