ثالثا - السابق والمبادر غالبا ما يثبت على سبقه، بل قد يتقدم دون تأخر:
إن من طبائع الناس عموما وعلى اختلاف مذاهبهم وأهوائهم حب الازدياد، فمن كانت الدنيا وشهواتها همه ومطلبه لا يزال يسابق وينافس طلبا للمزيد منها دون كلل أو شبع، ومن كان همه طلب العلم والتفوق فيه على أقرانه لا يزال يدأب ويجهد محاولا البقاء على مستواه دونما تأخر أو تراجع، وطلب الآخرة والمبادرة بالخيرات والسبق فيها من باب أولى أن يحرص على الاستمرار وعدم التراجع، بل يطمع في الازدياد والتقدم دون فتور أو ملل مهما كانت الصعوبات والتضحيات.
فهذا كعب بن مالك - رضي الله عنه -، قد وصل به الحال ما وصل من مقاطعة أصحابه إياه وأمر - أخيرا - باعتزال زوجته وقد جاءه وهو في هذه الحال التي مر ذكرها - كتاب من ملك غسان يدعوه بل يرجوه فيه أن يلحق به، ليواسيه ويعرف له حقه وقدره، ولكنه مع كل هذا أحرق الكتاب، وصبر هو وصاحباه حتى تاب الله عليهم.
وهؤلاء أهل الحديبية مع شدة حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسابقهم على إرضائه وحبه يأخذهم موقف الصلح - كما سبق - ويقفون حائرين لأنهم كانوا يعتقدون أنهم سابقون منصورون فلم يسالموا أو يصالحوا، ويرجعون دون أداء نسكهم ودخولهم مكة.
وهذا بلال، وعمار، وياسر، وسمية، وغيرهم من الضعفاء يسامون أشد ألوان العذاب والابتلاء، فكانوا كلما ألهبت جلودهم السياط، أو