للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن إلى ألفاظ تعبدنا بها قولا وعملا، فهذه ليس فيها شيء من المجاز، وألفاظ موضوعة في اللغة لمعنى تعبدنا بالعمل به، دون التزام اسمه، فهذه هي التي يقع فيها المجاز، قال - رحمه الله -: (فكل كلمة نقلها تعالى عن موضوعها في اللغة إلى معنى آخر، فإن كان تعالى تعبدنا بها قولا وعملا، كالصلاة والزكاة والحج والصيام والربا وغير ذلك، فليس شيء من هذا مجازا، بل هي تسمية صحيحة واسم حقيقي لازم مرتب حيث وضعه الله تعالى، وأما ما نقله الله تعالى عن موضوعه في اللغة إلى معنى تعبدنا بالعمل به، دون أن يسميه بذلك الاسم، فهذا هو المجاز، كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (١)، فإنما تعبدنا تعالى بأن نذل للأبوين ونرحمهما، ولم يلزمنا تعالى قط أن ننطق - ولا بد - فيما بيننا، بأن للذل جناحا، وهذا لا خلاف فيه، وليس كذلك الصلاة والزكاة والصيام، لأنه لا خلاف في أن فرضا علينا، أن ندعو إلى هذه الأعمال بهذه الأسماء بأعيانها ولا بد) (٢).

والذي يبدو أنه لا ابن حزم ولا الشوكاني من بعده، استطاعا أن يضعا قدميهما على أرض صلبة، فيما يخص مسألة المجاز في القرآن واللغة، لما فاتهم من الوقوف عليه، من الآثار والمفاسد المترتبة على القول به.

ما هو المجاز؟

الكلام - عند القائلين بالمجاز - قسمان: حقيقة ومجاز.

والحقيقة - في منظورهم - هي عبارة عن اللفظ المستعمل فيما وضع له أصلا.


(١) سورة الإسراء الآية ٢٤
(٢) الإحكام في أصول الأحكام / ابن حزم الأندلسي: (٤١٣ - ٤١٤)، طبع مطبعة الإمام بمصر.