للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الرب، متوقف على استعماله في المعنى المقصود من الخلق، فهو مجاز بالنسبة إليه، حقيقة بالنسبة إليهم، ولذا فإنه لا يحسن إضافة هذه الأمور إلى الله تعالى ابتداء، فيقال: إنه يمكر ويخدع ويكيد وينسى، وإنما يكون إضافتها إليه سبحانه من باب المقابلة لا غير.

وهو أيضا قول مردود لسببين:

(أ) إضافة هذه الأمور وأفعالها إلى الله ابتداء في القرآن الكريم، مع عدم وجود المسمى الآخر، ومن ذلك قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (١)، وقوله {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (٢) وفسر المحال: بالكيد والمكر وقوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (٣) {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (٤).

ففي هذه الآيات جميعا، تم إضافة المكر والكيد والاستدراج إلى الله تعالى ابتداء، مع عدم وجود مسمى آخر، ليكون ذلك - كما زعموا - على سبيل المقابلة، فبطل ادعاؤهم.

(ب) ثم إن هذه الألفاظ لا تدل دوما على معان مذمومة، بل هي تنقسم إلى محمود ومذموم، فما رجع من معانيها إلى الظلم والكذب، كان مذموما لتضمنه للكذب والظلم، وأما ما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح، فحسن محمود.

فالمخادع إذا خدع بظلم وباطل، حسن من المجازي له أن يخدعه بحق وعدل، كذا إذا مكر أو استهزأ، كان المكر به والاستهزاء منه عدلا حسنا ومحمودا.


(١) سورة الأعراف الآية ٩٩
(٢) سورة الرعد الآية ١٣
(٣) سورة القلم الآية ٤٤
(٤) سورة القلم الآية ٤٥