للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول الخامس:

وذهب فريق خامس إلى أن الرضاع المحرم يجب أن يكون عشر رضعات معلومات لأجل أن تنتشر بسببهن الحرمة، أما إذا كان دون ذلك فلا يمكن أن يكون ناشرا للحرمة.

وقد احتج هذا الفريق بما روي عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - «أن سهلة بنت سهيل أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له: إن سالما كان منا حيث علمت، كنا نعده ولدا، وكان يدخل علي، فلما أنزل الله عز وجل فيه وفي أشباهه أنكرت وجه أبي حذيفة إذ رآه يدخل علي، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فأرضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنما هو ابنك (٢)».

والراجح من هذه الأقوال: هو ما ذهب إليه الحنفية من أن كثير اللبن وقليله محرم للنكاح، دون التقييد بعدد أو مقدار، بل إن الرضعة الواحدة المشبعة تحقق التحريم؛ لأن شبهة البعضية التي هي علة التحريم ناشئة عن نشوء العظم وإنبات اللحم، وهو أمر خفي غير منضبط.

ومن المقرر عند الأصوليين أن علة الحكم إذا لم تكن ظاهرة ولا منضبطة ربط الحكم بما هو مظنة لتلك العلة مما هو ظاهر ومنضبط، وهو في موضوعنا مطلق الرضاع الصادق بمصة واحدة، فقد يكون لها دخل في تكوين جسم الرضيع، هذا في حالة ثبوت واقعة الرضاع قبل الزواج، فإن اكتشف الرضاع بعد الزواج وبعد أن أثقلت الزوجية بالأولاد، فلا بأس بالركوب إلى آراء المذاهب الأخرى حلا للإشكال ودفعا لأشد الضررين وتحقيقا للرحمة الناشئة عن اختلاف الآراء والمذاهب في الشريعة الإسلامية.


(١) صحيح البخاري النكاح (٥٠٨٨)، صحيح مسلم الرضاع (١٤٥٣)، سنن النسائي النكاح (٣٢٢٤)، سنن أبو داود كتاب النكاح (٢٠٦١)، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (١٩٤٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٦٩)، موطأ مالك كتاب الرضاع (١٢٨٨)، سنن الدارمي كتاب النكاح (٢٢٥٧).
(٢) سورة الأحزاب الآية ٤ (١) {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}