العلم مع نفيه نقيضان كوقوع التكليف وعدمه، وكالوجوب وعدمه، وما أشبه ذلك وثبوت العلم مع ثبوت الظن أو الشك ضدان كالوجوب مع الندب أو الإباحة أو التحريم وما أشبه ذلك، وهذا الأصل واضح في نفسه غير محتاج إلى إثباته بدليل، ولكن لا بد من التأنيس فيه بأمثلة يستعان بها على فهمه وتنزيله والتمرن فيه إن شاء الله فمن ذلك أنه نهى عن بيع الغرر ورأينا العلماء أجمعوا على منع بيع الأجنة والطير في الهواء، والسمك في الماء، وعلى جواز بيع الجبة التي حشوها مغيب عن الأبصار، ولو بيع حشوها بانفراده لامتنع، وعلى جواز كراء الدار مشاهرة مع احتمال أن يكون الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين، وعلى دخول الحمام مع اختلاف عادة الناس في استعمال الماء وطول اللبث، وعلى شرب الماء من السقاء مع اختلاف العادات في مقدار الري، فهذان طرفان في اعتبار الضرر وعدم اعتباره، لكثرته في الأول وقلته مع عدم الانفكاك عنه في الثاني، فكل مسألة وقع الخلاف فيها في باب الغرر فهي متوسطة بين الطرفين آخذة بشبهة من كل واحد منهما فمن أجاز مال إلى جانب اليسارة ومن منع مال إلى الجانب الآخر.
- ومضى في ذكر الأمثلة إلى أن قال - ولعلك لا تجد خلافا واقعا بين العقلاء معتدا به في العقليات أو في النقليات - لا مبنيا على الظن ولا على القطع - إلا دائرا بين طرفين لا يختلف فيهما أصحاب الاختلاف (١).