للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدعي عمر فقرئت عليه ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في المائدة إلى قوله: فدعي عمر فقرئت عليه. فقال: انتهينا انتهينا (٤)».

فسبب نزول هذه الآيات بين لنا أن تحريم الخمر كان على التدريج، فآية البقرة بينت أن إثم الخمر أكبر من نفعها ولم تحرمها، فالعاقل يدرك من هذا أن ما كان إثمه أكبر من نفعه فالأولى تركه.

ثم نزلت آية النساء تنهى عن قربان الصلاة حالة السكر، وفي هذا تقليل لأوقات شرب الخمر، وتعويد للمسلمين على تركها في بعض الأوقات ثم نزلت آيتا المائدة (٩١، ٩٠) فحرمتها، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٥) {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٦) فالاستفهام إنكاري بمعنى النهي أي انتهوا، فلذا لما قرئت على عمر رضي الله عنه قال: انتهينا انتهينا. وبعد نزول هاتين الآيتين أراق الصحابة الخمر في الطرق وكسروا دنانها وانتهوا منها، وفي التدرج في تحريم الخمر لطف من الله بعباده حيث لم يفاجئهم بالتحريم من أول لحظة لشيء كانوا يحبونه ويتعلقون به.

وفي هذا درس للدعاة أن يتعلموا من منهج الله في تشريع الأحكام حيث راعى شعور الناس وما ألفوه من العادات فلم يحرم ذلك دفعة، لئلا يؤدي إلى نفورهم، أو حرجهم، وإنما تدرج معهم في ذلك، فقد بقي الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين تنزل عليه الآيات التشريعية بالتدريج حتى


(١) سورة البقرة الآية ٢١٩ (١) {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}
(٢) سورة النساء الآية ٤٣ (١) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}
(٣) سورة المائدة الآية ٩١ (٢) {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}
(٤) سورة المائدة الآية ٩١ (٣) {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}
(٥) سورة المائدة الآية ٩٠
(٦) سورة المائدة الآية ٩١