للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أثنى الله على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدعوة فقال جل وعلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (١) ونبينا صلى الله عليه وسلم أكمل الناس في دعوته، وأكمل الناس في إيمانه لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله وتركوه فكيف أنت؟ فعليك أن تصبر، وعليك أن تتحمل، ولا تعجل بسب أو كلام سيئ أو غلظة، وعليك باللين والرحمة والرفق، ولما بعث الله موسى وهارون لفرعون ماذا قال لهما؟ قال سبحانه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (٢) فأنت كذلك لعل صاحبك يتذكر أو يخشى، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه (٣)» وهذا وعد عظيم في الرفق ووعيد عظيم في المشقة ويقول عليه الصلاة والسلام: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله (٤)» ويقول صلى الله عليه وسلم «عليكم بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (٥)».

فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل وأن يستعمل الأسلوب الحسن الرقيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعا، لا بد من الرفق مع المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره، ولا سيما الأمراء والرؤساء والأعيان فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق ويؤثرونه على ما سواه وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى عليه فيها السنون يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة، وحتى يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة فيقبل منك الحق ويدع المعصية.


(١) سورة آل عمران الآية ١٥٩
(٢) سورة طه الآية ٤٤
(٣) صحيح مسلم الإمارة (١٨٢٨)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٥٨).
(٤) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٩٢)، سنن أبو داود الأدب (٤٨٠٩)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٦٨٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٣٦٦).
(٥) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٩٤)، سنن أبو داود الأدب (٤٨٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٢٢).