قال: وجدت لقطة أفأتصدق بها؟ قال: لا يؤجر أنت ولا صاحبها. ولعل مراده إذا تصدق بها قبل تعريفها الواجب، ولو أخذ السلطان أو بعض نوابه من بيت المال ما لا يستحقه فتصدق منه أو أعتق أو بنى به مسجدا أو غيره مما ينتفع به الناس، فالمنقول عن ابن عمر أنه كالغاصب إذا تصدق بما غصبه. كذلك قيل لعبد الله بن عامر أمير البصرة، وكان الناس قد اجتمعوا عنده في حال موته وهم يثنون عليه ببره وإحسانه وابن عمر ساكت، فطلب منه أن يتكلم، فروى له حديثا: «لا يقبل الله صدقة من غلول (١)»، ثم قال له: وكنت على البصرة.
وقال أسد بن موسى في كتاب الورع: حديث الفضيل بن عياض، عن منصور، عن تميم بن مسلمة قال: قال ابن عامر لعبد الله بن عمر: أرأيت هذا العقاب التي نسهلها والعيون التي نفجرها ألنا فيها أجر؟ فقال ابن عمر: أما علمت أن خبيثا لا يكفر خبيثا قط؟
حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي مليح، عن ميمون بن مهران قال: قال ابن عمر لابن عامر وقد سأله عن العتق، فقال: مثلك مثل رجل سرق إبل حاج ثم جاهد بها في سبيل الله، فانظر هل يقبل منه؟
وقد كان طائفة من أهل التشديد في الورع كطاوس ووهيب بن الورد يتوقون الانتفاع بما أحدثه مثل هؤلاء الملوك. وأما الإمام أحمد - رحمه الله - فإنه رخص فيما فعلوه من المنافع العامة كالمساجد والقناطر والمصانع، فإن هذه ينفق عليها من مال الفيء، اللهم إلا أن يتيقن أنهم فعلوا أشياء من ذلك بمال حرام كالمكوس والغصوب ونحوهما، فحينئذ يتوقى الانتفاع بما عمل بالمال الحرام. ولعل ابن عمر - رضي الله عنهما - إنما أنكر عليهم أخذهم لأموال بيت المال لأنفسهم، ودعواهم أن ما فعلوه منها بعد ذلك فهو صدقة منهم، فإن هذا شبيه بالمغصوب. وعلى مثل هذا يحمل إنكار من أنكر من العلماء على الملوك بنيان المساجد.
قال
(١) صحيح مسلم الطهارة (٢٢٤)، سنن الترمذي الطهارة (١)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٢٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٧٣).