ثم أورد شيخنا على نفسه سؤالا، فقال: فيقال على هذا: فينبغي أن يقضى لهم بها إذا طالبوا بقبضها؟ وأجاب عنه بأنه قال: قيل نحن لا نأمر بدفعها ولا بردها، كعقود الكفار المحرمة، فإنهم إذا أسلموا قبل القبض لم يحكم القبض، ولو أسلموا بعد القبض لم يحكم بالرد، ولكن المسلم تحرم عليه هذه الأجرة؛ لأنه كان معتقدا لتحريمها، بخلاف الكافر، وذلك لأنه إذا طلب الأجرة فقلنا له: أنت فرطت حيث صرفت قوتك في عمل يحرم، فلا يقضى لك بالأجرة، فإذا قبضها وقال الدافع: هذا المال اقضوا لي برده، فإنه اقتضاه عن منفعة محرمة. قلنا له: دفعته معاوضة رضيت بها، فإذا طلبت استرجاع ما أخذ فاردد إليه ما أخذت، إذا كان له في بقائه معه منفعة، فهذا محتمل، قال: وإن كان ظاهر القياس ردها لأنها مقبوضة بعقد فاسد، انتهى.
وقد نص أحمد في رواية أبي النضر فيمن حمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصراني: أكره أكل كرائه، ولكن يقضي للحمال بالكراء، وإذا كان لمسلم فهو أشد كراهة.
فاختلف أصحابه في هذا النص على ثلاث طرق.
أحدها: إجراؤه على ظاهره، وأن المسألة رواية واحدة، قال ابن أبي موسى: وكره أحمد أن يؤاجر المسلم نفسه لحمل ميتة، أو خنزير لنصراني، فإن فعل قضى له بالكراء، وهل يطيب له أم لا؟ على وجهين: أوجههما: أنه لا يطيب له ويتصدق به، وكذا ذكر أبو الحسن الآمدي، قال: إذا أجر نفسه من رجل في حمل خمر أو خنزير أو ميتة كره، نص عليه، وهذه كراهة تحريم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن حاملها. إذا ثبت ذلك فيقضى له بالكراء، وغير ممتنع أن يقضي له بالكراء وإن كان محرما، كإجارة الحجام. انتهى.