الطريقة الثانية: تأويل هذه الرواية بما يخالف ظاهرها، وجعل المسألة رواية واحدة؛ وهي: أن هذه الإجارة لا تصح. وهذه طريقة القاضي في المجرد، وهي طريقة ضعيفة، وقد رجع عنها في كتبه المتأخرة، فإنه صنف المجرد قديما.
الطريقة الثالثة: تخرج هذه المسألة على روايتين: إحداهما: أن هذه الإجارة صحيحة، يستحق بها الأجرة مع الكراهة للفعل والأجرة. والثانية: لا تصح الإجارة، ولا يستحق بها أجرة، وإن عمل. وهذا على قياس قوله في الخمر:" لا يجوز إمساكها، وتجب إراقتها " قال في رواية أبي طالب: إذا أسلم وله خمر أو خنازير تصب الخمر، وتسرح الخنازير، قد حرما عليه، وإن قتلها فلا بأس، فقد نص أحمد أنه لا يجوز إمساكها؛ لأنه قد نص في رواية ابن منصور: أنه يكره أن يؤجر نفسه لنظارة كرم لنصراني؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر، إلا أن يعلم أنه بياع لغير الخمر، فقد منع من إجارة نفسه على حمل الخمر، وهذه طريقة القاضي في تعليقه، وعليها أكثر أصحابه، والمنصور عندهم الرواية المخرجة، وهي عدم الصحة، وأنه لا يستحق له أجرة، ولا يقضى له بها، وهي مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد، وهذا إذا استأجره لحملها إلى بيته للشرب، أو لأكل الخنزير، أو مطلقا، فأما إذا استأجره لحملها ليريقها، أو لينقل الميتة إلى الصحراء لئلا يتأذى بها: فإن الإجارة تجوز حينئذ، لأنه عمل مباح، لكن إن كانت الأجرة جلد الميتة: لم تصح، واستحق أجرة المثل، وإن كان قد سلخ الجلد وأخذه: رده على صاحبه، هذا قول شيخنا، وهو مذهب مالك، والظاهر: أنه مذهب الشافعي.