وقال: إن الذميين إذا تعاقدا عقد الربا في دار الإسلام فسخ عليهما، فالاعتبار عنده بالدار، وعندنا بالاعتبار بالعاقد، فإذا أربى الذي في بلاد الإسلام مع الذمي لم يفسخ، كذا قال القفال في شرح التلخيص، قال: وهكذا سائر البياعات الفاسدة، والله أعلم.
واحتج أبو حنيفة - رضي الله عنه - بحديث مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب»، وبأن أموال أهل الحرب مباحة للمسلم بغير عقد، فالعقد أولى، ودليلنا عموم الأدلة المحرمة للربا، فلأن كل ما كان حراما في دار الإسلام كان حراما في دار الشرك، كسائر الفواحش والمعاصي، ولأنه عقد فاسد فلا تستباح به العقود عليه كالنكاح.
(قلت) وهذا الاستدلال إن كان أبو حنيفة يوافق على فساده في دار الحرب فلا دليل عنده، وأما حديث مكحول فمرسل إن صح الإسناد إلى محكول، ثم هو محتمل لأن يكون نهيا فيكون المقصود به تحريم الربا بين المسلم والحربي كما بين المسلمين، واعتضد هذا الاحتمال بالعمومين، وأما استباحة أموالهم إذا دخل إليهم بأمان فممنوعة، فكذا بعقد فاسد، ولو فرض ارتفاع الأمان لم يصح الاستدلال؛ لأن الحربي إذا دخل دار الإسلام يستباح ماله بغير عقد ولا يستباح بعقد فاسد، ثم ليس كل ما استبيح بغير عقد استبيح بعقد فاسد، كالفروج تستباح بالسبي، ولا تستباح بالعقد الفاسد.
ومما استدلوا به على أنه لا ربا في دار الحرب أن العباس بن عبد المطلب كان مسلما قبل فتح مكة، فإن الحجاج بن علاط لما قدم مكة عند فتح خيبر واجتمع به في القصة الطويلة المشهورة دل كلام العباس على أنه مسلم حينئذ، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: «وأول ربا أضعه ربا