للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسف الشديد لا يفقهونه ولا يفهمونه ولا يرشدونك ولا يعطونك أي دليل للإرشاد إلا أنهم استغنوا بحفظه فقط.

وإن أول ما يظهر عليهم أثناء حضورهم في هذه الوليمة هو التماس الأجرة وجمع الصدقات من الناس ليتبركوا بهم ثم يعقدون في الدعاء لهم ولأبنائهم المتوفين ثم الدعاء للمتصدق عليهم بالنجاح والعون وغير ذلك. وبعد جمعهم لتلك الصدقات يقسمونها بينهم ولا ينال منها أي فقير أو مسكين فما حكم الشريعة الإسلامية في الصدقات التي يجمعونها، ويفرقونها بينهم وتلك القراءة التي يستعملونها؟

ولقد عثرت في كتاب على حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من استعمل القرآن من أجل التكسب سيأتي يوم القيامة ووجهه عظم».

١ - أي خال من اللحم، فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟ وما معنى الآية الكريمة: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} (١)

ج - أولا: تلاوة القرآن عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله وطلبا للمثوبة عنده، فلا يبتغي بها من المخلوق جزاء ولا شكورا ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرءون القرآن في حفلات أو ولائم ولم يؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه ولم يعرف أيضا عن أحد منهم أنه أخذ أجرا على تلاوة القرآن لا في الأفراح ولا في المآتم بل كانوا يتلون كتاب الله رغبة فيما عنده سبحانه. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من قرأ القرآن أن يسأل الله به وحذر من سؤال الناس روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قاض يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس (٢)»، وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه في حديث أبي سعيد في أخذه قطيعا من الغنم جعلا على شفاء من رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم.

ثانيا: القرآن كلام الله تعالى وفضله على كلام الخلق كفضل الله على عباه، وهو خير الأذكار وأفضلها وينبغي لقارئه أن يكون مؤدبا في تلاوته خاشعا مخلصا قلبه لله، محكما لتلاوته، متدبرا لمعانيه حسب قدرته وألا يتشاغل عنها ولا يغيرها ولا يتكلف ولا يتقعر فيها ولا يرفع صوته فوق الحاجة، وينبغي لمن حضر مجلسا يقرأ فيه القرآن أن ينصت ويستمع للقراءة ويتدبر معانيها، فلا يلغوا ولا يتشاغل عنها بالحديث مع غيره ولا يشوش على القارئ ولا على الحاضرين قال الله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (٣) وقال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (٤) {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (٥)


(١) سورة الفرقان الآية ٥٧
(٢) سنن الترمذي فضائل القرآن (٢٩١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٣٣).
(٣) سورة المزمل الآية ٤
(٤) سورة الأعراف الآية ٢٠٤
(٥) سورة الأعراف الآية ٢٠٥