للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثا: الناس متفاوتون في أفهامهم وأفكارهم، وكل مكلف أن يعرف من الدين وأحكام الشريعة قدر ما أتاه الله من الفهم وسعة الوقت، ليعمل به في نفسه ويرشد به غيره، ومن أول ما ينبغي له أن يتفهمه ويلقي إليه باله ويحضر له قلبه كتاب الله - سبحانه - وما عجز عن فهمه بنفسه استعان فيه بالله ثم بالعلماء حسب طاقته وقدرته، ثم لا حرج عليه بعد ذلك فإن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يمنعه من تلاوة القرآن عجزه عن فهمه بعد أن بذل وسعه، ولا يعاب بذلك لما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران (١)».

رابعا: يجوز للفقير أن يأخذ من الصدقات ما يسد حاجته وحاجة من يعول، ويسن له أن يدعو بالخير لمن تصدق عليه، أما أخذ المال على أنه أجرة لتلاوة القرآن أو لكونه وعظهم وذكرهم أو إعطاؤه لشخص رجاء بركته أو جمعه لأشخاص رجاء بركتهم واستجداء لدعائهم فهو غير جائز، ولم يكن ذلك من هدي المسلمين في القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها خير القرون.

خامسا: معنى قوله تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} (٢) أن الله تعالى أمر رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر قومه بأنه لا يطلب منهم أجرا على تبليغهم ما أنزل إليه من ربه ودعوته إياهم إلى التوحيد الخالص وسائر أحكام الإسلام إنما يقوم بالبلاغ والبيان للأمة تنفيذا لأمر الله وطاعة له ابتغاء مرضاته وحده ورجاء المثوبة والأجر الكريم منه سبحانه دون سواه، وذلك ليزيل ما قد يكون في نفوس المشركين من ظنون وأوهام كاذبة من أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعاهم إلى اتباعه فيما شرع الله لهم ليتكسب في ذلك، أو ينال رئاسة في قومه فبين لهم أن دعوته إياهم إلى الحق خالصة لوجه الله الكريم وهكذا جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يسألون الناس أجرا على دعوتهم إياهم وقد تقدم في حديث عمران بن حصين التحذير من التكسب بالقرآن وسؤال الناس به، أما السؤال عن عقوبته يوم القيامة بتساقط لحم وجهه فذلك وعيد لكل من سأل الناس وهو في غير حاجة تضطره إلى المسألة سواء كان لقراءة القرآن أم بدون قراءته فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم (٣)» وفي رواية عنه «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم (٤)» متفق عليهما. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو يستكثر (٥)» رواه مسلم. فمن سأل الناس بالقرآن صدق فيه الحديث إن كان فقيرا أما إن كان غنيا فقد صدقت فيه هذه الأحاديث كلها أما لفظ الحديث الذي ذكرته في السؤال فلا نعلم صحته بهذا اللفظ الذي ذكرته. والله أعلم.


(١) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٩٣٧)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (٧٩٨)، سنن الترمذي فضائل القرآن (٢٩٠٤)، سنن أبو داود الصلاة (١٤٥٤)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٧٧٩)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٩٨)، سنن الدارمي فضائل القرآن (٣٣٦٨).
(٢) سورة الفرقان الآية ٥٧
(٣) صحيح البخاري الزكاة (١٤٧٥)، صحيح مسلم الزكاة (١٠٤٠)، سنن النسائي الزكاة (٢٥٨٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٥).
(٤) صحيح البخاري الزكاة (١٤٧٥)، صحيح مسلم الزكاة (١٠٤٠)، سنن النسائي الزكاة (٢٥٨٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٥).
(٥) صحيح مسلم الزكاة (١٠٤١)، سنن ابن ماجه الزكاة (١٨٣٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٣١).