والشيعة فرقا، ثم أنكر جماعة القدر، وكان ذلك آخر عصر الصحابة - رضي الله عنهم - فسموا القدرية، ثم كان الجعد بن درهم، فكان أول من أنكر صفات الله وتأول ما جاء فيها من نصوص الآيات والأحاديث على غير معانيها، فقتله خالد القسري، وتبعه في إنكار ذلك وتأويله تلميذه الجهم بن صفوان، واشتهر بذلك، فنسبت إليه هذه المقالة الشنيعة، وعرف من قالوا بها بالجهمية، ثم ظهرت المعتزلة فتعبوا الجهمية في تأويل نصوص الصفات، وسموه تنزيها، وتبعوا القدرية في إنكار القدر، وسموه عدلا، وتبعوا الخوارج في الخروج على الولاة، وسموه الأمر بالمعروف. . . إلى غير ذلك من مقالاتهم.
وقد نشأ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري على مذهبهم، واعتقد مبادئهم ثم هداه الله إلى الحق فتاب من الاعتزال، ولزم طريق أهل السنة والجماعة، واجتهد في الرد على من خالفهم في أصول الإسلام رحمه الله، لكن بقيت فيه شوائب من مذهب المعتزلة كتأويل نصوص صفات الأفعال، وتأثر بقول جهم بن صفوان في أفعال العباد فقال بالجبر وسماه كسبا، وأمورا أخرى تتبين لمن قرأ كتابه (الإبانة) الذي ألفه آخر حياته، كما يتبين مما كتبه عنه أصحابه الذين هم أعرف به من غيرهم، وما كتبه عنه ابن تيمية في مؤلفاته - رحمهم الله -.
مما تقدم يتبين أن أهل السنة والجماعة حقا هم الذين اعتصموا بكتاب الله تعالى وسنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - في عقائدهم وسائر أصول دينهم، ولم يعارضوا نصوصهما بالعقل أو الهوى، وتمسكوا بما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من دعائم الإيمان وأركان الإسلام، فكانوا أئمة الهدى ومنار الحق ودعاة الخير والفلاح، كالحسن البصري وسعيد بن المسيب ومجاهد وأبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق والبخاري، ومن