للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحيح مسلم أيضا عن جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (١)».

وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة - رضي الله عنها - أنهما ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها في الحبشة وما فيها من الصور فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، أو صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله (٢)»، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه (٣)» زاد الترمذي - رحمه الله - في روايته بإسناد صحيح: «وأن يكتب عليه (٤)». فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها، وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها، ويلحق بذلك وضع الستور عليها، والكتابة عليها، وإراقة الأطياب عليها، وتبخيرها، ووضع الزهور عليها؛ لأن هذا كله من وسائل الغلو فيها والشرك بأهلها، فالواجب على جميع المسلمين الحذر من ذلك، والتحذير منه، ولا سيما ولاة الأمر، فإن الواجب عليهم أكبر، ومسئوليتهم أعظم؛ لأنهم أقدر من غيرهم على إزالة هذه المنكرات وغيرها، وبسبب تساهلهم وسكوت الكثيرين من المنسوبين إلى العلم كثرت هذه الشرور وانتشرت في أغلب البلاد الإسلامية، ووقع بسببها الشرك، والوقوع فيما وقعت فيه أهل الجاهلية الذين عبدوا اللات والعزى ومناة وغيرها، وقالوا كما ذكر الله عنهم في كتابه العظيم: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (٥) {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (٦)


(١) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢).
(٢) صحيح البخاري الصلاة (٤٢٧)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٢٨)، سنن النسائي المساجد (٧٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٥١).
(٣) صحيح مسلم الجنائز (٩٧٠)، سنن الترمذي الجنائز (١٠٥٢)، سنن النسائي الجنائز (٢٠٢٧)، سنن أبو داود الجنائز (٣٢٢٥)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٣٩).
(٤) سنن الترمذي الجنائز (١٠٥٢)، سنن النسائي الجنائز (٢٠٢٧)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٥٦٣).
(٥) سورة يونس الآية ١٨
(٦) سورة الزمر الآية ٣