للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظرائك من أهل بيتك لكفيتك مئونتهم إن شاء الله.

فقال عمر: أجلسوني، فأجلسوه، فقال:

الحمد لله، أبالله تخوفني يا مسلمة؟. أما ما ذكرت أني فطمت أفواه ولدي عن هذا المال وتركتهم عالة، فإني لم أمنعهم حقا هو لهم. ولم أعطهم حقا هو لغيرهم، وأما ما سألت من الوصاة إليك أو إلى نظرائك من أهل بيتي، فإن وصيتي بهم إلى الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وإنما بنو عمر أحد رجلين: رجل اتقى الله، فجعل الله له من أمره يسرا، ورزقه من حيث لا يحتسب، ورجل غير وفجر فلا يكون عمر أول من أعانه على ارتكابه، ادعوا لي بني. فدعوهم، وهم يومئذ اثنا عشر غلاما، فجعل يصعد بصره فيهم ويصوبه، حتى اغرورقت عيناه بالدمع، ثم قال:

بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم. يا بني، إني قد تركتكم من الله بخير، إنكم لا تمرون على مسلم ولا معاهد إلا ولكم عليه حق واجب إن شاء الله، يا بني، ميلت رأيي بين أن تفتقروا في الدنيا، وبين أن يدخل أبوكم النار، فكان أن تفتقروا إلى آخر الأبد خيرا من دخول أبيكم يوما واحدا النار. قوموا يا بني عصمكم الله ورزقكم.

فما احتاج أحد من أولاد عمر ولا افتقر (١).

وكان مسلمة يظهر نعمة الله تعالى، ومن شواهد ذلك أنه دخل على عمر بن عبد العزيز وعليه ريطة من رياط مصر (أي ثوب رقيق ناعم). فقال له عمر: بكم أخذت هذا يا أبا سعيد؟

أجاب مسلمة: بكذا وكذا.

قال عمر: فلو نقصت من ثمنها ما كان ناقصا من شرفك.

فأجاب مسلمة: إن أفضل الاقتصاد ما كان بعد الجدة، وأفضل العفو ما كان بعد القدرة، وأفضل اليد ما كان بعد الولاية (٢).

ولقد كان مسلمة رجلا معطاء، ولقد قال يوما لنصيب الشاعر: سلني. قال: لا، قال: ولم؟ قال نصيب:

لأن كفك بالجزيل أكثر من مسألتي باللسان.

وكان مسلمة مع تقواه وحرصه على الصلاة رجلا يحب العفو ويحبب فيه، ولقد حدث بين الخليفة هشام بن عبد الملك وبين ابن هبيرة ما دعا إلى إهدار دمه، ولكن خادما لمسلمة يحدثنا فيقول:


(١) العقد الفريد ج٥ ص ٢٠٣
(٢): العقد الفريد ج٥ ص١٩٨