للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان مسلمة بن عبد الملك يقوم الليل فيتوضأ ويتنفل حتى يصبح، فيدخل على أمير المؤمنين، فإني لأصب الماء على يديه من آخر الليل وهو يتوضأ، إذ صاح صائح من وراء الرواق: أنا بالله وبالأمير:

فقال مسلمة (في دهشة): صوت ابن هبيرة، اخرج إليه.

فخرجت إليه ورجعت فأخبرته، فقال: أدخله، فدخل فإذا رجل يميد نعاسا، فقال: أنا بالله وبالأمير.

قال: أنا بالله، وأنت بالله.

ثم قال: أنا بالله، وأنا بالأمير.

قال مسلمة: أنا بالله، وأنت بالله.

حتى قالها ثلاثا، ثم قال: أنا بالله. فسكت عنه، ثم قال لي: انطلق به فوضئه وليصل، ثم اعرض عليه أحب الطعام إليه فأته به، وافرش له في تلك الصفة - لصفة بين يدي بيوت النساء - ولا توقظه حتى يقوم متى قام. فانطلقت به فتوضأ وصلى، وعرضت عليه الطعام فقال: شربة سويق، فشرب، وفرشت له فنام، وجئت إلى مسلمة فأعلمته، فغدا إلى هشام فجلس عنده، حتى إذا حان قيامه قال: يا أمير المؤمنين، لي حاجة. قال هشام: قضيت، إلا أن تكون في ابن هبيرة. قال قال مسلمة: رضيت يا أمير المؤمنين.

ثم قام مسلمة منصرفا، حتى إذا كاد أن يخرج من الديوان رجع فقال: يا أمير المؤمنين، ما عودتني أن تستثني في حاجة من حوائجي، وإني أكره أن يتحدث الناس أنك أحدثت علي الاستثناء.

قال هشام: لا أستثني عليك.

قال مسلمة: فهو ابن هبيرة.

فعفا عنه هشام (١).

* * *

ومن ملامح شخصية مسلمة أنه كان يعرف للفصحى مكانتها، وللبيان السليم منزلته، وكان يقول:

اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه (٢). وكان يقول أيضا: مروءتان ظاهرتان: الرياسة والفصاحة (٣).

ومن كلماته قوله: ما أخذت أمرا قط بحزم فلمت نفسي فيه، وإن كانت العاقبة علي، ولا أخذت أمرا قط، وضيعت الحزم فيه، فحمدت نفسي وإن كانت لي العاقبة (٤).


(١) العقد الفريد ج٢ ص٥٧ و ٥٨
(٢): عيون الأخبار ج٢ ص ١٥٨:
(٣): عيون الأخبار ج١ ص٢٩٦:
(٤) العقد الفريد ج١ ص ١٩٤