للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوراق النقود ونصاب الورق النقدي

بقلم: محمد بن علي بن حسين الحريري

الباب الأول

معرفة المقادير واجب شرعي.

لقد حدثنا القرآن الكريم عن قوم شعيب أنهم كانوا يخسرون المكيال والميزان، فأرسل الله سبحانه نبيه شعيبا صلى الله عليه وسلم ليعيد تلك الأمة إلى جادة العدل، وينهاهم عن الإفساد في الأرض، قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (١).

وما أروع لفتة الإمام القشيري في تفسيره أن المراد بالآية الكريمة -والله أعلم-: عدم إنقاص حجم المكيال عن المعهود والمتعارف، فالصنجات (الأوزان) يجب أن تكون وافية مضبوطة، وليس المراد إيفاء ما يكال أو يوزن، فذلك مضمون قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (٢).

فالأمر بإيفاء الكيل غير الأمر بإيفاء المكيال، فالآيات تقرر بوضوح ضرورة تحقق العدل في المكيل وآلة الكيل، وفي الموزون وآلة الوزن (٣).

ولا يقال هنا أن آية قوم شعيب شرع لمن قبلنا، فالراجح أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد ما ينسخه فكيف إذا جاءت شريعتنا تؤكد هذا المعنى وتدعمه، فالعدل أمرت به كل الشرائع السابقة ولهذا كانت الأوزان


(١) سورة هود الآية ٨٥
(٢) سورة الإسراء الآية ٣٥
(٣) الإيضاح والتبيان، ص (٤٦)، تحقيق د. محمد فاروق