للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي يورث الوري، فإن ما دون الامتلاء منه نظير ما دون الامتلاء من القيح الذي من حكمه أن يورث الامتلاء منه الوري، وذلك لا شك كله داء مكروه، وضر على الأبدان محذور، يتقيه كل ذي نظرة صحيحة، ويهرب منه كل ذي بنية سليمة، فإذا كان نظير الشعر الذي هجي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وله شبيها لتمثيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه به، فلا شك أنه قد دل بتمثيله إياه به - عليه السلام - أولي الألباب من أمته، على أن الواجب عليهم من اتقاء قليل ذلك وكثيره، والحذر منه، نظير ما في فطرتهم وبنيتهم من اتقاء قليل ما أفسد أجوافهم وكثيره، وأورثها الداء من القيح الذي يورثها الورى كثيره).

وقال: (وبعد: فإننا لم نجعل علتنا في تصحيح المعنى الذي تأولناه الخبر الذي ذكرناه عن الشعبي وحده دون غيره من المعاني) (١).

٣ - وذهب فريق إلى أن المقصود من مثل هذه الأحاديث النهي عن قيل الشعر كله وروايته قليله وكثيره، قالوا: وذلك أن القليل من القيح في الجوف مضرة، وكل أحد من الناس لقليل ذلك وكثيره كاره أن يكون في جوفه، فإذا كان الامتلاء من الشعر نظير الامتلاء من القيح، فدون الامتلاء من الشعر نظير ما هو دون الامتلاء من القيح، وكل ذلك مكروه في الجوف، فكذلك الشعر كله مكروه أن يكون في الجوف منه شيء. .

واحتجوا لذلك بمجموعة من الأخبار، سردها الإمام الطبري في كتابه تهذيب الآثار في نحو من عشرين خبرا (٢)، وقد رد الإمام الطبري دعوى هذا الفريق، مبينا ضعف ما استندوا إليه من أخبار واهية الأسانيد، لا يحتج بمثلها في شيء من أمور الدين، إضافة إلى مخالفة مذهبهم هذا


(١) تهذيب الآثار (٢/ ٢١ - ٢٢).
(٢) انظر تهذيب الآثار (٢/ ١٦ - ٢١) من الحديث رقم (٢٧٠٧) إلى الحديث (٢٧٢٧).