للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج: اختلف العلماء في إبليس هل هو من الملائكة أو من الجن، فقال جماعة هو من نوع من الملائكة خلقوا من نار السموم، وخلق غيرهم من الملائكة من نور، واستدلوا على ذلك بأنه لو لم يكن من الملائكة لما كان مأمورا بالسجود لآدم ولا أنكر عليه عدم سجوده له، وبأن الأصل في الاستثناء الاتصال؛ بأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، وقد قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} (١) فاستثنى إبليس بعد الملائكة فدل على أنه منهم.

وقال آخرون: إنه ليس من الملائكة بل من الجن، لقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (٢) ولأنه خلق من نار السموم، والملائكة خلقت من نور، ولأن له ذرية تتوالد والملائكة لا تتوالد، واختار ابن جرير الطبري (٣) القول الأول، وأجاب عما استدل به للقول الثاني: بأن الملائكة منهم من خلق من نور، ومنهم من خلق من نار السموم، وإبليس من صنف الملائكة الذين خلقوا من نار السموم، وبأنه لا دليل على أن الصنف الذي خلق من نار السموم لا يتوالد، وبأن الله إنما قال فيه: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} (٤) من أجل أنه من قبيلة من الملائكة تسمى الجن، أو قيل له جان لاختفائه كما سمى غيره من الملائكة جنة في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} (٥) لاختفائهم، وعلى القول بأنه من الجن يكون دخوله في أمر الله ملائكته بالسجود لآدم من أجل كونه مختلطا بهم، وعلى كل حال هذه مسألة لا تترتب عليها فائدة عملية والنزاع فيها لا طائل تحته.


(١) سورة الكهف الآية ٥٠
(٢) سورة الكهف الآية ٥٠
(٣) ١/ ٥٠٧ تحقيق أحمد شاكر.
(٤) سورة الكهف الآية ٥٠
(٥) سورة الصافات الآية ١٥٨