للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سجوده وحمده والإذن له في الشفاعة بقوله: «أمتي، أمتي (١)» وقد جاء في حديث حذيفة. . . قال: «فيأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقوم ويؤذن له وترسل الأمانة والرحم، فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أولهم كالبرق (٢)» وساق الحديث. وبهذا يتصل الحديث؛ لأن هذه هي الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها، وهي الإراحة من الموقف والفصل بين العباد، ثم بعد ذلك حلت الشفاعة في أمته - صلى الله عليه وسلم - وفي المذنبين، وحلت الشفاعة للأنبياء والملائكة وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم، كما جاء في الأحاديث الأخر.

وجاء في الأحاديث المتقدمة في الرؤية وحشر الناس أتباع كل أمة ما كانت تعبد، ثم تمييز المؤمنين من المنافقين، ثم حلول الشفاعة ووضع الصراط، فيحتمل أن الأمر باتباع الأمم ما كانت تعبد هو أول الفصل والإراحة من هول الموقف وهو أول المقام المحمود، وأن الشفاعة التي ذكر حلولها هي الشفاعة في المذنبين على الصراط، وهو ظاهر الأحاديث، وأنها لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولغيره، كما نص عليه في الأحاديث، ثم ذكر بعدها الشفاعة فيمن دخل النار، وبهذا تجتمع متون الحديث وتترتب معانيها إن شاء الله تعالى (٣) ".

وقال القرطبي بعد أن ساق حديث الشفاعة: " هذه الشفاعة العامة التي خص بها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأنبياء هي المرادة بقوله - عليه الصلاة والسلام - «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي (٤)». وهذه الشفاعة العامة لأهل الموقف إنما هي ليعجل حسابهم ويراحوا من هول الموقف وهي الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - وقوله:


(١) صحيح البخاري التوحيد (٧٥١٠)، صحيح مسلم الإيمان (١٩٣)، سنن الترمذي صفة جهنم (٢٥٩٣)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٣١٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٤٨)، سنن الدارمي المقدمة (٥٢).
(٢) صحيح مسلم الإيمان (١٩٥).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم جـ ٢، جزء ٣، صـ ٥٧، ٥٨.
(٤) رواه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد باب ٣١ حديث ٧٤٧٤، وكتاب الدعوات باب ١ حديث ٦٣٠٤، ورواه مسلم كتاب الإيمان حديث ٣٣٩.