للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا صح استقراضه بعد الكساد وصح استقراض ما ليس بثمن كالجوز والبيض والمكيل والموزون، ولولا أنه إعارة لما صح؛ لأنه يكون مبادلة الجنس بمثله نسيئة وهو حرام فصار المردود عين المقبوض حكما فلا يشترط فيه الرواج كرد العين المغصوبة (١) والتسليم بقياس قرض الفلوس على عارية المثليات أمر لا تقبله النفس بسهولة، فمقترض الفلوس إنما اقترضها لما كانت تتمتع به من قوة شرائية، فقيمتها مضمون العقد لا أعيانها المثلية، ولذا ذهب الحنفية إلى ترجيح قول أبي يوسف برد قيمة النقود الاصطلاحية الكاسدة، وقد اختار الغزي في التنوير قول الإمام في القرض والبيع فلو كسدت فليس للبائع إلا مثلها كاسدة لا قيمتها (٢).

الثاني: قول أبي يوسف والراجح عند الحنابلة والمرجوح عند المالكية:

وهو أنه لا يجزئ رد المثل بعد الكساد ويجب على المدين رد قيمة الدين بقيمته يوم التعامل من نقد غير كاسد، وهذا القول هو المفتى به عند الحنفية رفقا بالناس ولأن القيمة يوم التعامل تكون مستقرة (٣)، ودليلهم على ذلك أن كسادها إبطال لماليتها فهو كإتلافها فوجب بدلها وهو القيمة بناء على قاعدة الجبران، ولأن الدائن دفع مالا منتفعا به فلا يظلم بإعطائه ما لا نفع فيه، قال ابن قدامة في المغني (٤) بعد تقريره قاعدة رد المثل في المثليات سواء رخصت أو غلت: وإن كان القرض فلوسا أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها ولا يلزم بقبولها ولو كانت عينها موجودة لدى المقترض لأنها تعيبت في ملكه، نص عليه أحمد في الدراهم المكسرة وقال يقومها كم تساوي يوم أخذها ثم يعطيه قيمتها وسواء نقصت


(١) تبيين الحقائق للزيلعي ٤/ ١٤٣.
(٢) تنبيه الرقود صـ ٥٩.
(٣) تنبيه الرقود ٧/ ٦٢، وتبيين الحقائق ٤/ ١٤٤، والبحر الرائق ٦/ ٢١٩.
(٤) المغني ٤/ ٣٦٠، والكافي لابن قدامة أيضا ٢/ ١٢٤.