للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقط ليس فيها قتال، بل توجيه وإرشاد وإيضاح للحق والخلق الكريم وتحذير من خلافه بالكلام الطيب واللطف والجدال بالتي هي أحسن كما قال جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (١) وقال جل وعلا: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (٢)، وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (٣)، وقال سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (٤)، إلى أمثال هذه الآيات التي فيها الأمر بالصفح والإعراض عنهم والجدال بالتي هي أحسن إلى غير ذلك، وليس فيها الأمر بقتالهم، لأن المقام لا يتحمل ذلك لأن المسلمين قليلون، وأعداؤهم كثيرون، وبأيديهم السلطان والقوة، فكان من حكمة الله أن منع رسوله والمسلمين من الجهاد باليد وأمرهم بالاكتفاء بالجهاد باللسان والدعوة وأمرهم أن يكفوا أيديهم عن القتال، فهدى الله بذلك من هدى من المسلمين كالصديق -رضي الله عنه- وعمر الفاروق - رضي الله عنه- وعثمان -رضي الله عنه- وعلي - رضي الله عنه- والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وجم غفير من الصحابة، رضي الله عن الجميع وأرضاهم.

ولما صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة وبين بطلان آلهتهم التي يعبدونها من دون الله وأرشدهم إلى توحيد الله والإخلاص له، عظم على أهل مكة ذلك واشتد عليهم الأمر لأنهم يعظمون تلك الآلهة ولأن كثيرا منهم يرى في عبادتها والتعلق بها حفظا لرئاسته ومنزلته وسيطرته على الضعفاء وصاروا يحاولون


(١) سورة النحل الآية ١٢٥
(٢) سورة الحجر الآية ٨٥
(٣) سورة المزمل الآية ١٠
(٤) سورة الحجر الآية ٩٤