الذود عنها ويكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم أكاذيب كثيرة وينفرون الناس عنه ويقولون عنه إنه شاعر وتارة مجنون وتارة ساحر وتارة كذاب إلى غير ذلك، وهي أقاويل كلها باطلة وهم يعلمون أنها باطلة، أعني أعيانهم ورؤساءهم وأهل الحل والعقد منهم كما قال سبحانه:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}(١) ولكن ليس لهم حيلة إلا أن يقولوا هكذا من الكذب والفرية والتزييف على الضعفاء من أهل مكة ومن غيرهم فأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر الحق ويدفع الباطل ولو كره الكافرون، فلم يزل يدعوهم عليه الصلاة والسلام ولم يزل يناظر الناس ويتلو عليهم كتاب الله ويرشدهم إلى ما بعثه الله به ويصدع بأمر ربه عز وجل، حتى ظهرت الدعوة في مكة وانتشرت وسمع بها الناس، العرب وغيرهم في البوادي والمدن، فصارت الوفود تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتصلون به سرا ويسمعون منه عليه الصلاة والسلام حتى فشا الإسلام وظهر وبان لأهل مكة، فعند ذلك شمروا عن ساعد العداوة وآذوا الرسول وآذوا أصحابه إيذاء شديدا، وأمرهم معروف في السير والتاريخ، فمنهم من عذب بالرمضاء، ومنهم من عذب بغير ذلك.
فلما اشتد الأمر بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم واشتد بهم الأذى أذن لهم صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر من هاجر إلى الحبشة، ومكثوا هناك ما شاء الله، ثم بلغهم أن هناك تساهلا من المشركين، وروي أنه بلغهم أنهم أسلموا لما سجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم، فرجع من رجع منهم، فاشتد عليهم الأذى، فهاجروا الهجرة الثانية إلى الحبشة وبقوا هناك إلى أن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم، ثم