للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى الجهاد والقتال، وأنزل فيه الآيات الكثيرات، وحرض عليه سبحانه وتعالى، وأمر به في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه (، فكان أولا مباحا مأذونا فيه، ثم فريضة على الكفاية كما قاله أهل العلم.

وقد يجب على الأعيان إذا اقتضت الأسباب ذلك كما لو حضر الصف، أو حصر بلده أو استنفره الإمام، ففي هذه المسائل الثلاث يتعين القتال.

إذا حضر الصفين ليس له أن ينصرف ولا أن يفر، وكذلك إذا حاصر بلده العدو وجب عليه وعلى أهل البلد أن يقاتلوا ويدافعوا بكل ما يستطيعون من قوة، وكذلك إذا استنفره الإمام وجب النفير كما هو معروف في محله.

فالمقصود أن الله فرض الجهاد وجعله فرضا على المسلمين، وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وصار في حقهم سنة مؤكدة، وقد يجب على الأعيان للأسباب التي تقتضي ذلك كما سبق، فكان عليه الصلاة والسلام أولا يقاتل إذا رأى المصلحة في ذلك، ويكف إذا رأى المصلحة في الترك، ثم أمره الله سبحانه بقتال من قاتله، وبالكف عمن كف عنه، كما قال الله جل وعلا {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (١)، قال بعض السلف في هذه الآية: إنه أمر في هذه الآية بقتال من قاتله والكف عمن كف عنه، وقال آخرون في هذه الآية: إن هذه الآية ليس فيها ما يدل على هذا المعنى، وإنما فيها أنه أمر بالقتال للذين يقاتلون، أي: من شأنهم أن يقاتلوا إلخ، ويصدوا عن سبيل الله، وهم الرجال المكلفون القادرون على القتال بخلاف الذين ليس من شأنهم القتال كالنساء والصبيان والرهبان والعميان والزمناء وأشباههم، فهؤلاء لا يقاتلون لأنهم ليسوا من أهل القتال، وهذا التفسير -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- أظهر وأوضح في معنى


(١) سورة البقرة الآية ١٩٠