للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(، وهذا القول ذكره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- واختاره، وقال: إنه ليس هناك نسخ، ولكنه اختلاف في الأحوال؛ لأن أمر المسلمين في أول الأمر ليس بالقوي وليس عندهم قدرة كاملة، أذن لهم بالقتال فقط، ولما كان عندهم من القدرة بعد الهجرة ما يستطيعون به الدفاع أمروا بقتال من قاتلهم وبالكف عمن كف عنهم.

فلما قوي الإسلام وقوي أهله وانتشر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجا أمروا بقتال جميع الكفار ونبذ العهود وألا يكفوا إلا عن أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس إذا بذلوها عن يد وهم صاغرون.

وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم، واختاره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عند قوله جل وعلا في كتابه العظيم {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (١).

وهذا القول أظهر وأبين في الدليل لأن القاعدة الأصولية أنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة، والجمع هنا غير متعذر، كما تقدم بيانه، والله ولي التوفيق.

أما ما يتعلق بالجزية فقول من قال إنها تؤخذ من الجميع - أظهر إلا من العرب خاصة.

ووجه ذلك ما ثبت في الصحيح عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «امض باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله (٢)».

فعلق الحكم بالكفر، فدل ذلك على أنهم يقاتلون لكفرهم، إذا كانوا من أهل القتال، كما تدل عليه آيات أخرى.


(١) سورة الأنفال الآية ٦١
(٢) صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٣١)، سنن الترمذي السير (١٦١٧)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦١٣)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٥٨)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٥٨)، سنن الدارمي السير (٢٤٣٩).