للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال صلى الله عليه وسلم «اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا (١)» ثم قال بعد هذا: «وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، ثم قال بعد ذلك: فإن أبوا فاسألهم الجزية، ثم قال بعد ذلك: فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم (٢)».

فأمر صلى الله عليه وسلم أميره على الجيش والسرية أن يدعوا الأعداء أولا للإسلام، فإن أجابوا كف عنهم، فإن أبوا دعاهم إلى الجزية، فإن أجابوا كف عنهم، وإلا فاستعان بالله وقاتلهم، ولم يفرق بين اليهود والنصارى وغيرهم، بل قال: «عدوك من المشركين (٣)».

وهذا يظهر من العموم، ولكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عامة العلماء لم يروا أخذها من العرب، قالوا: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي تنزل عليه الآيات، وهو أعلم بمعناها لم يأخذها من العرب، بل قاتلهم حتى دخلوا في الإسلام.

وهكذا الصحابة بعده لم يقبلوها من عربي، بل قاتلوا العرب في الجزيرة حتى دخلوا كلهم في دين الله.

والله جل وعلا قال في حقهم وغيرهم: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (٤)، وقال في الآية الأخرى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (٥)، ولم يذكر الجزية في هذا المكان.

فالقول بأنها لا تؤخذ من العرب هو الأقوى والأظهر والأقرب، وأما من سواهم فقول من قال: بعموم النص، أعني حديث بريدة - أظهر؛ أخذا بالأدلة من القرآن والسنة جميعا، ولأن المقصود من الجهاد هو إخضاعهم للحق، ودعوتهم إليه، وأن يكفوا عنا أذاهم وظلمهم، فإذا فعلوا ذلك


(١) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٠٤).
(٢) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٦٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٠٤).
(٣) صحيح البخاري الصلح (٢٦٩٧)، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٨)، سنن أبو داود السنة (٤٦٠٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٤٦).
(٤) سورة التوبة الآية ٥
(٥) سورة التوبة الآية ١١