للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقتول بكل حال، فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع، لأنا نعلم قطعا أن مقصود الشرع تقليل القتل، كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل وكان هذا التفاتا إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصود الشرع، لا بدليل واحد وأصل معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر، لكن تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين فهذا مثال مصلحة غير مأخوذ بطريق القياس على أصل معين، وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف كلها ضرورية قطعية كلية، وليس في معناها ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم، إذ لا يحل رمي الترس، إذ لا ضرورة وفينا غنية عن القلعة فنعدل عنها، إذ لم نقطع بظفرنا بها؛ لأنها ليست قطعية بل ظنية، وليس في معناها جماعة في سفينة لو طرحوا واحدا منهم لنجوا وإلا غرقوا بجملتهم لأنها ليست كلية إذ يحصل بها هلاك عدد محصور، وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين؛ لأنه ليس يتعين واحد للإغراق إلا أن يتعين بالقرعة، ولا أصل لها، وكذلك جماعة في مخمصة لو أكلوا واحدا بالقرعة لنجوا فلا رخصة فيه؛ لأن المصلحة ليست كلية، وليس في معناها قطع اليد للأكلة حفظا للروح، فإنه تنقدح الرخصة فيه لأنه إضرار به لمصلحته، وقد شهد الشرع للإضرار بشخص في قصد صلاحه كالفصد والحجامة وغيرهما، وكذا قطع المضطر قطعة من فخذه إلى أن يجد الطعام فهو كقطع اليد، لكن ربما يكون القطع سببا ظاهرا في الهلاك فيمنع منه؛ لأنه ليس فيه يقين الخلاص، فلا تكون المصلحة قطعية، وبعد أن ذكر حكم الضرب في التهمة وقتل الزنديق ولو تاب، والساعي في الأرض بالفساد بالدعوة إلى البدعة، وإغراء الظلمة بالناس وأموالهم وحرماتهم ودمائهم وإثارة الفتن. . . قال: فإن قيل فإذا تترس الكفار بالمسلمين فلا نقطع بتسلطهم على استئصال الإسلام لو لم يقصد الترس بل يدرك ذلك بغلبة الظن (قلنا): لا جرم، ذكر العراقيون في المذهب وجهين في تلك المسألة وعللوا بأن ذلك مظنون، ونحن إنما نجوز ذلك عند القطع أو الظن القريب من القطع (١). والظن القريب من القطع إذا صار كليا وعظم الخطر فيه فتحتقر الأشخاص الجزئية بالإضافة إليه، (فإن قيل): إن توقفنا عن الساعي في الأرض بالفساد ضررا كليا بتعريض أموال المسلمين ودماءهم للهلاك وغلب ذلك على الظن بما عرف من طبيعته وعادته المجربة طول عمره (قلنا): لا يبعد أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى قتله إذا كان كذلك بل هو أولى من الترس، فإنه لم يذنب ذنبا، وهذا قد ظهرت منه جرائم توجب العقوبة وإن لم توجب القتل، وكأنه التحق بالحيوانات الضارية، لما عرف من طبيعته وسجيته (فإن قيل): كيف يجوز المصير إلى هذا في هذه المسألة وفي مسألة الترس وقد قدمتم أن المصلحة إذا خالفت النص لم تتبع كإيجاب صوم شهرين على الملوك إذا جامعوا في نهار رمضان وهذا يخالف قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} (٢) وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (٣) وأي ذنب لمسلم يتترس به كافر؟ فإن زعمتم أنا نخصص العموم بصورة ليس فيها حظر كلي فلنخصص العتق بصورة يحصل بها الانزجار عن الجناية حتى يخرج عنها الملوك، فإذا غاية الأمر في مسألة الترس أن يقطع باستئصال أهل الإسلام، فما


(١) والظن القريب من القطع
(٢) سورة النساء الآية ٩٣
(٣) سورة الإسراء الآية ٣٣